سباق التنمية

مازالت لجنة صياغة النموذج التنموي الجديد تنتقل من لقاء لآخر وكأنها تسعى لتحطيم رقم قياسي ما، فعقدت ما مجموعه 40 لقاءا خلال 50 يوما فقط من تشكيلها. وبعد لقاءات ممثلي الأحزاب الذي وصف رئيس اللجنة شكيب بنموسى ما دار بها باللغو.. واللغو لا يؤاخذ به الله عكس النهب والكذب، وبعد الاجتماع بالمجلس الوطني للصحافة والهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، والمركزيات النقابية، والمؤسسات الوطنية والجمعيات والقطاع الخاص، انتقلت اللجنة الآن لما اعتبرته لقاءات ميدانية مع عامة الناس، ملتمسة منهم ربما ما غاب عنها من حقائق ووقائع، كما روجت لذلك صورة لرئيس اللجنة مع سيدة مغربية بسيطة، في سلوك بدا متفوقا في شعبويته على ما تقوم به دكاكين الريع والسياسة.

هكذا صرنا ننتظر ولادة هذا النموذج على أمل ألا يأتي خديجا ضعيفا، فيكون مصيره الموت كسابقه، ليس لكونه ’’سيوضع‘‘ بعد ستة أشهر فقط على الإعلان عنه، ولكن لأن المؤشرات لا توحي بحدوث العكس على كل حال، ولأن عدم الجدية في تصفية إرث النموذج الفاشل بما يتطلبه من محاسبة المتورطين في هذه النتيجة، تدل على أننا بصدد تكرار نفس التجربة بنفس النتائج، وأن وعد العقد الاجتماعي الجديد مختل منذ بدايته.

من الصعب جدا اقناعنا اليوم بأننا نستطيع صنع نموذج ناجح، يحل العقدة الثنائية المستعصية بين الإنتاج التوزيع، ونحن لم نقف بشجاعة أولا لنحدد المسؤولين عن فشل النموذج القديم، ونرتب الجزاءات على المتورطين، وليس قبل التحلي بما يلزم من الوضوح لتحديد مكامن الخلل، وإلا فنحن نبحث عن علاج قبل التشخيص، وهذه مغامرة تعني فيما تعنيه مخاطرة بإعلال جسد هذا الوطن بعلل جديدة نتيجة علاج قائم على انطباعات جلسات الصالونات.

وضع العناوين الكبيرة ليس كافيا لإعادة كسب ثقة الناس، ولا حتى إخافتهم بمتطلبات المستقبل. لقد أصبح الناس اليوم يتهكمون على تلك ’’الكليشيهات‘‘ المحفوظة بمصطلحاتها الحصرية، من قبيل البلورة والشمولية والاستباقية، ويتغامزون على أصحابها من ذوي الوجوه الخشبية التي تبدو وكأنها بصدد رفع تكليف أجبرت عليه فقط، أو قضاء حاجة لبشر يأنفون منهم، ويتأففون منهم ومن متطلباتهم.

إن السيد بنموسى -ولجنته معه- يستحق تعاطفنا وشفقتنا عن كل مرة يجالس فيها شخصا يدعي بمعيته البحث عن واضح، لتلتقطه العدسات وتقدمه لنا كالفاتح المبين، كمالك كلمة سر المغارة، إنه سعي حثيث هذا الذي يبذل لتقديمه ولجنته كأنهما صراط النجاة، ووعد النهضة، ومقبرة الأزمات وسوء الحال. وإن كنا لا نثق تماما في جدوى هذه اللجنة، في ظل وجود المؤسسات المعنية في الأصل ببحث إشكالات العدالة الاجتماعية والمجالية وحلها، فلا بأس بأن نطالب أصاحبها وهم بصدد البحث عن نموذج تنموي على مقاسنا أن يتموا جميلهم ويجدوا لنا من يستطيع تنزيله دون أن يفرغه من محتواه، أو ينهب مقدراته.

أما العامة في الشوارع والمقاهي فهم بصدد ابتلاع مسكن جديد سيستمر تأثيره لعشرين سنة أخرى للأمام. ولن ينالهم منه في النهاية سوى حضور خطاب تأبينه في سباق تنمية لا يصل سوى لنقطة الانطلاق في كل مرة.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)