’’بلاصتك فالكوزينة‘‘

التحرش سلوك ممهد لفعل الاغتصاب، وقد يأتيه أيضا العاجز عن مباشرة الاغتصاب لسبب يتعلق بالخوف من العقاب أو لغياب الظرف المساعد، وعليه فالتحرش زيادة على كونه اعتداء على الحرية والمساحة الشخصية،وعلى ما يتضمنه من قذف وشتم، هو تهديدضمني بالاعتداء.لهذا لا يمكن أبدا التطبيع مع هذا السلوك المرضيأو اعتباره فعلا عاديا أو مقبولا، أو قضية تحتمل المزاح أو التهكم.

 

ورغم أن فئة كبيرة تقف موقف المتفرج من المضايقات والاعتداءات اليومية التي تعانيها النساء، لكن هذا لا يمنعهامن التلويح بالقلم الأحمر لتقييم عمل الفاعلين في مجال التوعية بقضايا العنف والتحرش والاغتصاب، وما حققوه طوال سنوات من الاشتغال، وما كسبه الحقل النسائي بفضل نضالهم، وبرغم اختلافنا مع أولوياتهم وأساليبهم لكن هذا لا يبرر بأي شكل كانتحويل النقاشللتهكم على أشكال وسحنات المتصدرين والمتصدرات لهذه الأنشطة، وتناولهم بالسخرية والتنمر بشكل لا يختلف نهائيا عن التحرش، ذلك أنه -أي التحرش- لم يكن أبدا مرتبطا بمستوى من الجمال أو فئة من العمر، وما نعيشه يوميا في الفضاءات العامة والخاصةيؤكد هذا الأمر.

 

السخرية التي تملأ اليوم وسائل التواصل الاجتماعي والتي تصنف كعنف الكتروني اتجاه أي عمل يتحدث عن التحرش والاغتصاب لا يدري أصحابه أنه يزيد الأزمة استفحالا. ردود الفعل المبالغ فيها اتجاه جميع الظواهر الاجتماعية سيئة ومؤذية إلا فيما يتعلق بكل أشكال العنف اتجاه المرأة، فيجب أخذها على محمل الجد، حتى العبارات التي تبدو أقل ضررا وأدعى للبراءة تحيل على دلالات أكثر عمقا ويمتد تأثيرها لما لا يمكن أن تستوعبه الفئة التي تعتقد أنها تمزح بعبارة من قبل: ’’بلاصتك فالكوزينة‘‘.

 

فضاء التواصل الالكتروني يفترض أن يساهم في خلق وعي جديد حول هذا الموضوع لا أن يساير ما يحدث في الشوارع ويبتكر أساليبا جديدة في تعنيف المرأة حتى في هذا الفضاء.

 

يبدو أن تواجد النساء في الفضاء العام مزال لا يحظى بقبول الرجل، وتترسخ هذه القناعات وتنتقل للأجيال الجديدة عندما يستغرب الرجل من تواجد المرأة في مرفق ما أو من مزاولتها لعمل ما، هكذا ومع تكرار هذا السلوكيتطور رد الفعل بسبب الشحن اليومي من مجردالاستغراب للاعتداء، يبدأ لفظيا ثم جسديا إذا لم يجد ما يردعه.ولا أفضل من التنمر الذي تلقاه السائقات على الطريق كمثال على الرفض الذي مازال يلازم وجود المرأة في الفضاء العام.

 

إن المثير للأسى والأسف اليوم هو هذه السلوكيات اليوميةالتي لا ترقى لفعل اعتداء مباشر ولكنها تمهد له وتطبع معه،وإذا تم ضبط العنف المسلط على المرأة بالترسانة القانونية وأخرها القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء لسنة 2018، فيستحيل ضبط هذه السلوكيات اليومية إلا بوعي أصحابها بأن دائرة العنف ضد المرأة تتسع لتشمل حتى تلك التلميحات أو التهكمات التي يعتبرها أصحابها بريئة.

 

لا يمكن طبعا وطلبا للإنصاف تجاوز مسؤولية المرأة تجاه ما تتعرض له، ولكن وقطعا ليس بسبب ما ترتديه وما ترتاده، ولكن بسببأنها الممارس الحقيقي لفعل التربية في البيت، وبالتالي المسؤولة عن نقل النظرة الدونية للمرأة واستباحة التعدي عليها.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 1 )
  1. سفيان :

    فقط أظن أنه تجاوزنا عبارة بلاصتك الكوزينة حيث أصبح الشباب الواعي المثقف يكتسح نسبة كبيرة ممن يؤيدون طرح المرأة والرجل سواسية اجتماعيًا واقتصاديا وثقافيا وأكاديميًا جيلنا اليوم أصبح أكثر تقبلا واستيعابًا وانفتاحا على الدور المهم للمرأة داخل المجتمع في مختلف المجلات .. هذا من جهة .. أما من جهة التحرش والاغتصاب هنا أظن أن الأمر غريزة إنسانية ليست بالفطرة لكن بسوء التربية .. والله أعلم

    0

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)