مناظرة تصحيح المسار بخصوص الجهوية المتقدمة

تنظم وزارة الداخلية وجمعية جهات المغرب تحت الرعاية المولوية السامية لصاحب الجلالة محمد السادس نصره الله بمدينة اكادير يومي 20 و21 دجنير 2019 المناظرة الوطنية الأولى للجهوية المتقدمة، وهي فرصة لتقييم تجربة الجهوية المتقدمة الفتية بالمغرب واستخلاص الدروس بغية المرور للسرعة القصوى مع تنزيل اوراش إصلاحية كبرى كميثاق اللاتمركز الإداري وإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار مع استشراف التفعيل المستقبلي للنموذج التنموي الجديد.

 

المناظرة تكتسي أهمية خاصة للوقوف على الاختلالات والمعيقات التي تقف حاجزا امام تحقيق العدالة المجالية رغم المجهودات المبذولة. إنه من غير المقبول ان يصنف المغرب اليوم في المرتبة 121 في تصنيف التنمية البشرية متِأخرا عن الجزائر (الرتبة 82) بمشاكلها وحراكها اليومي وعن ليبيا بتطاحناتها القبلية الداخلية (الرتبة 110) وعن مصر (116) وتونس (91) بمشاكلهم الداخلية.

 

من المفروض أن المغرب الرائد في مناخ الاعمال إقليميا ومن بين أحسن الدول استقطابا للاستثمارات العمومية في افريقيا أن يتصدر قائمة الدول العربية والافريقية في مجال التنمية البشرية ولكن حجم التفاوتات الترابية بين الجهات نتاج عدم نجاعة التدخلات القطاعية وغياب التقائية السياسات العمومية وتمركز الاستثمارات في جهات دون الأخرى فوت الفرصة على ساكنة المغرب من الاستفادة العادلة من التأثيرات الإيجابية للمشاريع والاستثمارات المنجزة بالمغرب.

 

فخمس جهات بالمغرب، التي تحتضن جل الاستثمارات، تعتبر أكثر تنافسية وانتاجا للثروة من باقي جهات المغرب وبذلك فهي اقل انتاجا وأكثر فقرا من باقي جهات المغرب.

 

 

وفي الوقت الذي تعترف فيه بلادنا بالتفاوتات المجالية والفوارق الاجتماعية وبضعف مواكبة الاستثمار الخصوصي للمجهودات المبذولة ورغم ترتيب المغرب في المراتب الأولى في مناخ الأعمال، يعتبر الاستثمار العمومي خيار استراتيجي لتنزيل النموذج التنموي وآلية لتقليص الفوارق الاجتماعية والترابية واداة لتحقيق شروط النمو الاقتصادي الشامل والمستدام. فقد ارتفع المبلغ الإجمالي للاستثمارات العمومية من 90,6 مليار درهم سنة 2007 إلى 195 مليار درهم سنة 2019 أي بارتفاع نسبته 115%. ويتوقع قانون المالية لسنة 2020 أن يصل حجم الاستثمارات العمومية 198 مليار درهم موزعة على النحو التالي:

– الميزانية العامة 77,3 مليار درهم؛

– المؤسسات العمومية 101,2 مليار درهم؛

– الجماعات الترابية : 19,5 مليار درهم.

 

ومن المفارقات العجيبة لهذا القانون الذي يعترف بحجم التفاوتات المجالية وبالفوارق الاجتماعية والذي من المفروض أن يشكل آلية فعلية لدعم ورش الجهوية المتقدمة، فهو لم يخصص سوى اعتمادات هزيلة للاستثمارات العمومية المخصصة للجماعات الترابية المشكلة من مجالس الجهات ومجالس العمالات والأقاليم والجماعات الترابية، في وقت خص المشرع الجهات باختصاصات ذاتية في مجال التنمية الجهوية والقروية ودعم الاقتصاد الجهوي حسب القانون التنظيمي 111-14. مع العلم كذلك أن الجهات تساهم من ميزانياتها في صندوقي التضامن بين الجهات والتأهيل الاجتماعي. كما تستنزف ميزانيتها في مشاريع تدخل ضمن اختصاص الميزانية العامة وذلك في إطار الشراكات مع مختلف القطاعات لإنجاز مشاريع الاختصاصات المشتركة.  والجول أسفله يوضح بالملموس تكريس تباين تدخلات المؤسسات العمومية في الجهات في عز تنزيل الجهوية المتقدمة.

 

استثمارات المؤسسات العمومية بالمليار درهم
الجهة 2017 2018 2019
الميزانية النسبة % الميزانية النسبة% الميزانية النسبة %
الدار البيضاء سطات 29,74 28 29,91 28 25,36 36
الرباط القنيطرة 31,30 29 24,35 23 16,77 17
طنجة تطوان الحسيمة 10,24 10 10,08 9 7,41 7
الشرق 7,30 7 8,49 8 7,8 8
بني ملال خنيفرة 4,59 4 5,13 5 5,82 6
درعة تافيلالت 3,21 3 2,76 3 2,42 2
المصدر: قوانين المالية

 

 

هيمنة تدخل المؤسسات العمومية وضعف ميزانية الجماعات الترابية يشكل عائق أمام ورش التنمية الترابية وهو ما يفسر حجم التفاوتات المجالية بين الجهات. فهل سيستجيب تنزيل التصاميم الجهوية لميثاق اللاتمركز الإداري بجل المشكل مع التدبير الترابي الجهوي لميزانيات القطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية، خاصة وأن التدخلات الجهوية والسياسات العمومية تميزت بغياب النجاعة وضعف الالتقائية؟

 

 

كما نرى من جانبنا ان التجربة الفتية للجهوية المتقدمة تتطلب تقييما للقانون التنظيمي 111-14 خاصة من جانب الاختصاصات المشتركة والمنقولة بالنظر لحجم الميزانيات المخصصة للجهات؟ فمجالس الجهات تعقد شراكات للمساهمة في مجالات تدخل المؤسسات العمومية وهي التي تعاني أصلا من ضعف الإمكانيات المادية المرصودة لها، وبذلك تعاني في تفعيل برامجها التنمية. فكيف يمكن التعامل مستقبلا مع هذا المعطى مستقبلا مع تحويل الاختصاصات جهويا للأقطاب الإدارية المحدثة بموجب ميثاق اللاتمركز الإداري؟

 

 

أسئلة نطرحها لعلها تجد إجابات خلال المناظرة الوطنية الأولى حول الجهوية المتقدمة. ولأهمية الموضوع يجب ان لا يقتصر النقاش بين رؤساء الجهات ومستشاريهم بل يستدعي نقاش وطني حول الاختصاصات وارتباطها بالإمكانيات المالية والبشرية المتاحة جهويا وجرأة في اتخاذ قرارات ترمي لتفعيل أمثل للجهوية المتقدمة. فالملاحظ هو تحفظ ومقاومة غير معلنة لبعض القطاعات الوزارية على تنزيل تصاميم جهوية لميثاق اللاتمركز الإداري وتفعيله جهويا بأٌقطاب إدارية كبرى متقاسمة بين أكثر من وزارتين ونقل الاختصاصات المالية والادارية وحتى الموارد البشرية للجهات وهو ما من شأنه تعطيل الاوراش المفتوحة.

 

 سفيان بوشكور

دكتور في الاقتصاد الجهوي

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)