وضعية السجون.. العقوبة الإضافية

وضعية المؤسسات السجنية كانت موضوع سؤال شفهي خلال جلسة مجلس المستشارين الثلاثاء المنصرم، تولى الإجابة عنه وزير الدولة لحقوق الإنسان جوابا مطمئنا وباعثا على الأمل.. فقد بشر الجميع بالعمل الجاد الذي تقوده الحكومة من أجل توسيع وبناء سجون جديدة.

واستعرض الوزير والمحامي السابق عددا من الأشغال الجارية في هذا الهدف، والأخرى المبرمجة والموزعة على كامل المغرب تقريبا، في مرة من المرات القليلة التي يتم فيها تدارك مشكل التفاوتات المجالية، هكذا يعدنا السيد الوزير بأن السجون ستكون قريبة منا حيثما وجدنا داخل بلدنا العزيز.

ظاهرة الاكتظاظ التي تحاول الحكومة تدبيرها ببناء المزيد من السجون، والتي اعتبرها الرميد مؤلمة ومسيئة (1.89 متر فقط لكل سجين) عزاها لتزايد الساكنة السجنية، ومعضلة الاعتقال الاحتياطي، وقال إنها ما يجعل مجهودات الحكومة في هذا المجال غير ذات أهمية.

هذا فقط فيما يتعلق بالإيواء، تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2018 كان قد تناول وضعيات المؤسسات السجنية من جوانب أخرى، تتعلق خاصة بالصحة والتغذية. ووجد أن لجان المراقبة والاستلام لا تقوم بعملها فيما يخص تتبع ومراقبة المواد الغذائية عند الاستلام، بحيث لا تحتفظ بأي محاضر استلام، ما يعني أن الباب مفتوح على مصراعيه للفساد والتلاعبات، وتعريض صحة وحياة النزلاء للخطر عبر السماح بتفويت مواد غير خاضعة للشروط، التقرير أشار أيضا لغياب شروط النظافة في مطابخ المؤسسات السجنية، وعدم توفر قاعات للطعام ما يفاقم المشاكل الناتجة عن توزيع الطعام داخل الزنازين.
على المستوى الصحي فلا يستقيم طبعا أن يكون الوضع في السجون أفضلا منه خارجها، بحيث سجل التقرير التأخر في إعداد استراتيجية الرعاية الصحية الخاصة بنزلاء المؤسسات السجنية، وضعف تتبع الحالة الصحية للسجناء، وفقر البنية التحتية لمرافق الاستشفاء، وضعف المعدات الطبية والعناصر البشرية على حد سواء (150 طبيب فقط داخل السجون في 2018 في حين تفوق الساكنة السجنية 83 ألفا) ونقص في تدبير الأدوية أيضا.

الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أيضا كانت قد تطرقت لوضعية السجون في تقرير لها حول وضعية حقوق الانسان بالمغرب أصدرته سنة 2018، حيث تحدثت عن مشكلة الاكتظاظ التي فاقت حسب وصف التقرير الخيال، وذكرت أن السجناء يضطرون للنوم في الممرات ومراحيض الزنزانات، نفس الأمر بالنسبة للتغذية التي قال تقرير الجمعية أنها لا ترقى لضمان الحق في الغذاء المتوازن والكافي. كذلك اتفق تقرير الجمعية مع ما جاء به المجلس الأعلى للحسابات حول تدني الخدمات الصحية ما يفتح الباب لتفشي الأمراض المختلفة.

هذا الوضع القاتم الذي اتفقت على تشخيصه الحكومة والهيئات الرقابية والمنظمات غير الحكومية، الأمر الذي قلما يحدث، يمكن وصفه اختصارا بغياب الشروط الآدمية داخل سجون المملكة، ذلك أن الفشل في توفير بنيات مناسبة للعيش طيلة مدة تنفيذ العقوبة، يجعل الحديث عن جهود الإدماج والإصلاح والتأهيل والمواكبة للسجناء ترفا لا معنى له.

مندوبية السجون التي نسمع عنها فقط وهي بمعرض الرد على التقارير التي لا تعجبها، أو تكذيب المعتقلين الذين يتحدثون عن سوء المعاملة والتعذيب، حري بها أن تلفت أكثر نحو مراقبة عمل موظفيها، وتنفيذ التوصيات المرفوعة لها منذ سنوات، وتجاوز الاختلالات المتعلقة بسير عملها، لأنها حجر الزاوية في الحل والإصلاح، حتى يتسنى للسجون لعب دورها في الردع، لا أن تعمل على تخريج أباطرة في الجريمة، دربتهم الأوضاع المزرية في السجون على تطوير منهجهم الإجرامي، وشحنتهم بالمزيد من الحقد والرغبة في الانتقام.

والمؤسف أن الوقائع تؤشر على أن هذا الوضع سيستمر طويلا على ما هو عليه، ذلك أن الدولة التي تعتقل في ظرف سنة 525 من معتقلي الرأي والتعبير والاحتجاج السلمي فقط، كما جاء في تقرير الجمعية المغربية لحقوق الإنسان لسنة 2018، وتعتمد المقاربة الأمنية للتعامل مع الاحتجاجات الشعبية، ناهيك عن الملفات الأخرى المتعلقة بالظواهر الإجرامية، لا يبدو أنها تعير أهمية صادقة لهذا الوضع المزري.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)