زُرّاع الشوك

’’في حالة صدور قرار قضائي نهائي اكتسب قوة الشيء المقضي به، يدين الدولة بأداء مبلغ معين، يتعين الأمر بصرفه داخل أجل أقصاه ستون يوما ابتداء من تاريخ تبليغ القرار القضائي السالف ذكره في حدود الاعتمادات المالية المفتوحة بالميزانية.

يتعين على الآمرين بالصرف إدراج الاعتمادات اللازمة لتنفيذ الأحكام القضائية في حدود الإمكانات المتاحة بميزانياتهم، وإذا أدرجت النفقة في اعتمادات تبين أنها غير كافية، يتم عندئذ تنفيذ الحكم القضائي عبر الأمر بصرف المبلغ المعين في حدود الاعتمادات المتوفرة بالميزانية، على أن يقوم الآمر بالصرف باتخاذ كل التدابير الضرورية لتوفير الاعتمادات اللازمة لأداء المبلغ المتبقي في ميزانيات السنوات اللاحقة. غير أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تخضع أموال وممتلكات الدولة للحجز لهذه الغاية‘‘.

كان هذا نص المادة التاسعة من مشـروع قــانـون المالـية رقم 70.19 للسنة المالية 2020، والتي نالت مصادقة لجنة المالية في مجلس النواب أمس، بإجماع تلا نقاشا واسعا حول المادة وأثار الكثير من التحفظات، ولم يخرج عنه -أي الإجماع- وكما جرت العادة سوى البرلماني عن فيدرالية اليسار.

نفس المادة، سبق وأدرجت في قانون المالية لسنة 2017 قبل أن يتم سحبها بعد الانتقادات الكثيرة التي وجهت لها، قبل أن يعاد طرحها هذه السنة فيما يشبه خطة لجعلها أقل إثارة للنقاش والرفض، بعد أن تمت تهيئة الأجواء لقبلوها، وزير المالية والاقتصاد وإصلاح الإدارة محمد بنشعبون، استطاع الضغط في اتجاه حصد إجماع تجاوز بسهولة محيرة كل الرفض الذي لازم المادة منذ ظهورها.

هذه المصادقة لم يمنعها ما أثير حول هذه المادة وما تعرضت له من انتقادات رافضة باعتبارها تمس حقوق المواطنين في مواجهة الإدارة، وتخرق مبدأ دستوريا يتعلق بتنفيذ الأحكام القضائية النهائية، وتسيء لمؤسسة القضاء ومكانته واستقلاليته، ما سيجعل المواطن طرفا مهضوما في منازعاته مع الإدارة، حتى مع حصوله على حكم نهائي، مادام مجردا من إلزامية تنفيذ هذه الأحكام. كما عبر عن ذلك نادي قضاة المغرب الذي كان قد دعا لإعادة النظر في المادة.

واستنادا للمادة دائما فالمواطن الذي ينصفه القضاء بحكم نهائي، وإذا لم يكن محظوظا كفاية بوجود اعتمادات تمكن الإدارة من تنفيذ الحكم في الأجل المحدد، سيكون مجبرا على الانتظار لسنوات أخرى ريثما يتم إدراج حقه المالي في اعتمادات الإدارة اللاحقة لتتمكن بالتالي من أدائه، فيما يشبه خدمات الأداء بالتقسيط المريح، ودون مراعاة لحقوق المواطن ومصالحه التي تتضرر بسبب هذا التأخير، وحال رفض الإدارة تنفيذ الحكم فليس للمواطن اللجوء لمسطرة الحجز كوسيلة لإجبارها على التنفيذ، لأن الفقرة الأخيرة من المادة كانت حاسمة في التقرير بعدم خضوع أموال وممتلكات الدولة للحجز.

هكذا نكون أمام حكم قضائي نهائي ضد الإدارة محصن ضد التنفيذ، أقره نواب الأمة الذين راكموا خلال سنوات عملهم تاريخا غير مشرف من الوقوف ضد مصالح المواطنين واستهداف حقوقهم وعقابهم على اعتقادهم أنهم وعلى غرار شعوب العالم يملكون ترف اختيار ممثلين ينوبون عنهم في الدفاع عن مصالحهم وإصلاح شؤونهم، في الوقت الذي يعقدون فيه صفقات لتمرير ما يريده أصحاب المصالح الحقيقية، في مواقف فجة صادمة، فقد ضمنوا أن المغاربة ضعيفو الذاكرة وسيعيدون حملهم لمقاعد البرلمان في كل مرة، لكن فات هؤلاء أن العالم من حولهم يتغير، وأن ’’اللي زرع الشوك تيحير فحصادو‘‘.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)