مكانة ميثاق اللاتمركز الإداري في التعديل الحكومي الاخير

بعد ثلاثة أسابيع من هذا التاريخ، تم الإفراج عن التعديل الحكومي الذي تميز بتقليص عدد الوزارات وهو الأمر المحمود الذي انتظره جميع المغاربة لضمان نجاعة تدخلات السياسات القطاعية والحكومية بصفة عامة. و في فترة المخاض كثر الحديث والتكهن والتوقع حول السيناريوهات المرتقبة سواء داخل أروقة الاحزاب السياسة وداخل الوزارات وإداراتها الترابية لمعرفة مصير القطاع من جهة ومصير أطره وموظفيه من جهة ثانية.

 

ومع تزامن هذا التعديل الحكومي مع تنزيل ميثاق اللاتمركز الاداري بعد صدور المرسوم 2.17.618 بتاريخ 26 دجنبر 2019 ،عملت السلطات الحكومية على إعداد تصاميم مديرية للاتمركز الاداري بمصالحها اللاممركزة وفق مبادئ التناسق والتكامل بين مكونات تمثيلياتها الجهوية ووحدة عملها والتعاضد في الوسائل الموضوعة رهن إشارتها وذلك جسب مضامين المواد 20و21 من المرسوم السالف الذكر.

 

هذا التزامن يطرح أسئلة جوهرية للنقاش. فهل سيتم اخذ ميثاق اللاتمركز الاداري والتصاميم المديرية الخاصة به كأرضية وأولوية عمل للحكومة الجديدة ام ستنكب على برنامجه مكوناتها القطاعية بمعزل عن التفكير في ميثاق اللاتمركز وهو ما سيساهم في هدر الزمن السياسي في عز الوضعية الصعبة التي يعاني منها الاقتصاد المغربي.

 

من الضروري اليوم قبل الغد ان يراعي التعديل الحكومي الحالي وضعية التنظيم الاداري المستقبلي وعدم تأجيل بداية الاصلاح لما بعد انتخابات 2021. الاصلاح اليوم يعتبر تمرين سلس لتنزيل تدريجي للميثاق وعلى السيد رئيس الحكومة مباشرة المشاورات حول الهيكلة وفق التصاميم المديرية لللاتمركز الاداري كي لا تضيع الحكومة المستقبلية (2021) الوقت في هيكلة الادارة مركزيا وجهويا وأن تركز مجهوداتها على تفعيل النموذج التنموي الجديد وانجاز المخططات القطاعية الجديدية التي طالب بها جلالة الملك نصره الله في خطابه الاخير.

 

إن مجموعة من الوزارات لم تباشر بعد تنزيل تصاميمها المديرية لتحويل الاختصاصات والإمكانيات للجهات لمواكبة ورش الجهوية المتقدمة والتي تستدعي وجود ادارات جهوية قادرة على اتخاذ الاقرار وتنفيذ السياسات القطاعية بنجاعة لمحاربة الفوارق المجالية والاجتماعية.

 

لقد حضرت  لقاء منتدى التفكير الذي نظمه حزب الاستقلال من 21 إلى 22 شتنبر 2019 بقصر المؤتمرات الولجة بسلا،وشاركت في ورشة “التفاوتات المجالية وإنجاح الجهوية المتقدمة” واستمعت لشهادات رؤساء جهات ونوابهم واستحضرت حينها أهمية سياسة اعداد التراب الوطني وحاجتنا اليوم لها لضمان نجاعة الساياسات العمومية. فقد خلصت مداخلات المشاركين في هذه الورشة على ضرورة تغيير القانون 111-14 الخاص بالجهات لان الممارسة اثبتت عدم جدوى تقاسم الاختصاصات بين مجالس الجهات والإدارات الحكومية في غياب الامكانات المادية اللازمة، وطالب بعض منتخبي الجهات الحاضرين تركيز اختصاصات الجهات على الاختصاصات الذاتية مادامت التجربة أتبثت أن القطاعات الحكومية أصبحت تستنزف ميزانيات الجهات في إطار الشراكات لانجاز مشاريع قطاعية وعدم استطاعة الجهات انجاح مشاريعهم الذاتية مع ضعف الميزانيات.

 

في هذا الإطار وباستحضار القوانين الخاصة بالجماعات الترابية والمحددة لاختصاصاتها والمرسوم عدد 2.17.618 بمتابة ميثاق اللاتمركز والقانون قم 47.18 يتعلق بإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار وبإحداث اللجان الجهوية الموحدة للاستثمار والمرسوم عدد 2.17.583 الذي يحدد مسطرة اعداد التصميم الجهوي لاعداد التراب الوطني ووو…

يبدو ان المشرع المغربي وضع اللبنات الاساسية الضرورية لتحقيق امثل للنموذج التنموي الجديد الذي يستدعي فعلا تعاقدات من جيل جديد للحد من التفاوتات المجالية وضمان العدالة الاجتماعية وخلق فرص الشغل للشباب جهويا مع ما يتطلبه الأمر من برامج اقتصادية جهوية مكملة للنموذج التنموي الوطني.

 

حكامة قطاع إعداد التراب نموذج

 

الأولوية اليوم ببلدنا لا تكمن في تغيير القوانين الحديثة التي لم تنزل بالشكل الأمثل لحد الان كي نقيمها، بل يستدعي الأمر، من وجهة نظري المتواضعة، سياسة إرادية تقطع مع ممارسات الماضي وتزرع الثقة للمواطن والمؤسسات المنتخبة والعمومية وللمستثمرين وتضمن النجاعة القطاعية لترشيد النفقات وهو ما يستوجب بلورة وتنزيل سياسة جهوية حقيقية لإعداد التراب الوطني.

 

إن سياسة إعداد التراب الوطني بصفتها أم السياسات العمومية، تهدف إلى تحقيق التوازن المجالي وتوزيع أمثل للثروات والإنسان في مجاله الترابي. فهي بذلك سياسة إرادية Politique Volontariste أفقية وليست قطاعية وهو ما يستوجب التأمل، بل التساؤل عن مصير هذا القطاع ومكانته مع تنزيل الميثاق الوطني للاتمركز الإداري موضوع المرسوم 618-17-2 الصادر بالجريدة الرسمية عدد 6738 بتاريخ 27 دجنبر 2018.

 

وبالرجوع لنص المرسوم السالف الذكر وبالضبط للمادة 7, نستشف أن الميثاق يهدف للتوطين الترابي للسياسات العمومية من خلال أخذ الخصوصيات الجهوية، مع مواكبة التنظيم الترابي اللامركزي للمملكة القائم على الجهوية المتقدمة. في هذا الصدد وباستحضار القانون 14-111 المتعلق بالجهات ، سنجد أن المشرع المغربي خص الجهات ومجالسها باختصاصات جديدة منها ” إعداد التراب الوطني” (الفصل الثاني، المادة 88) الذي أصبح من الاختصاصات الذاتية وليس من الاختصاصات لا المشتركة أو المنقولة، ومن تم لا يحق مشاركة أي إدارة لمجلس الجهة في هذا الاختصاص جهويا،ما عدا مؤسسة والي الجهة الذي منحها المشرع دور المساعد والمواكب. فما دور إذن المفتشيات الجهوية لاعداد التراب الوطني مستقبلا وتدخلها في مجال إعداد التراب الوطني؟ سؤال جوهري يستمد مرجعيته من الأهداف المتوخاة من تنزيل الميثاق الوطني للاتمركز الاداري من جهة ومن القوانين والمراسيم المنظمة لاختصاصات رؤساء الجهات والولاة والتي تم تنزيلها لمواكبة الجهوية المتقدمة. كما يستمد مرجعيته كذلك من تجميع القطاع مركزيا وجهويا مع قطاع الاسكان وسياسة المدينة.

 

بالإضافة لمضمون المادة 88 من القانون 14-111, فإن المشرع المغربي من خلال المرسوم عدد 2-17-583 الذي يحديد مسطرة إنجاز التصميم الجهوي لإعداد التراب الوطني وتحيينه وتقييمه، منح اختصاصات واسعة للسادة الولاة في مصاحبة ومواكبة رؤساء الجهات في إعداد التصميم الجهوي لإعداد التراب الوطني وتنفيذه. في هذا الإطار نصت المادة 4 من المرسوم السالف الذكر على أن “أثناء إعداد التصميم الجهوي لإعداد التراب الوطني، يتولى والي الجهة، في إطار مهام المساعدة الموكولة إليه، وبطلب من رئيس مجلس الجهة الإشراف على تنظيم المشاورات مع جميع الفاعلين المعنيين (…)، وتحدت لهذه الغاية لجنة استشارية لإعداد التراب” يرأسها حسب المادة 5 ، والي جهة الشرق. و من تم فالمشرع حرص على التكامل في مجال إعداد التراب بين مؤسسة رئيس الجهة ووالي الجهة وهما مؤسسات تحت سلطة وزارة الداخلية ولا يستقيم، من الناحية العقلانية، منح هذا الاختصاص لإدارة اخرى بطابع قطاعي بغية تحقيق النجاعة والالتقائية لأن إعداد التراب كسياسة فهي من اختصاص ذاتي للجهات يجب ان يكون لها تدخل ترابي وليس قطاعي، أي لها سلطة أفقية تضمن الالتقائية وفق منضور التصميم الجهوي لإعداد التراب الوطني.

 

وعليه، فجهويا يجب ان تحتنفظ الجهات بمساعدة الولاة على قطاع اعداد التراب الوطني لضمان نجاعة التدخلات القطاعية والتنسيق فيما بينها لضمان توزيع امثل للانشطة والساكنة وعلى المفتشيات الجهوية ان تتخصص في ميادين جديدة مكملة كي تضطلع بدور حقيقي كمفتشات جهوية (على غرار المفتشيات المركزية الحكومية) في مجال التعمير وأن تمارس اختصاص ودور المراقبة والتفتيش في مجال التعمير وتفعيل القانون 12-66 المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء. وفي مجال اعداد التراب الوطني وما دام الاختصاص اصبح ذاتي للجهات فعلى المفتشيات ان تلعب دور جديد خاص بتقييم السياسات العمومية الجهوية والمخططات الجهوية المنزلة ترابيا بتنسيق. وبذلك نحقق هدف ميثاق اللاتمركز الا وهو محاربة كثرة المتدخلين في قطاع واحد من جهة، وتمكين الجهات من اختصاصاتها الذاتية التي سطرها لها المشرع المغربي في القانون التنظيمي 111-14 .  وبهذه الاختصاصات الجديدة سيتم ضمان نجاعة تدخلات المفتشيات الجهوية وتموقعها الامثل ترابيا خاصة مع التحولات الهيكلية المرتقبة في مصالح الولايات وخلق هياكل ادارية جديدة للتنسيق والتنمية الترابية.

 

سوفيان بوشكور 

دكتور في الاقتصاد الجهوي والتنمية الترابية

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)