الجِنس ليس حريّة.. الحرية لا تقبل التجزيئ!

ملاحظة أساسية يمكن الوقوف عليها، دون عناء كبير، أو جهد مبذول، يتعلق الأمر بمسلّمة باتت تحكم رهان من يدافع عن الحرية الجنسية، ومن ينتسب لخطهم، وهي المسلّمة التي بقدر ما تكشف حقيقة، فإنها تكسف ( بالسين) حقائق؛ الحرية تعني ممارسة الجنس خارج كل القيود!

 

الخوض في هذا الموضوع مغامرة محفوفة بالمخاطر، بل قد ينتهي النقاش حوله إلى فشل فاضح، إذا لم يتم اعتماد منهجية علمية في التناول، والتداول، والابتعاد عن كل ما من شأنه أن يشوش عن ملامسة جوهر القضية، وجدلها، الذي بحقّ أن نقول بأنه في جزء كبير منه مفتعل؛ والافتعال يعني وجود انفعال، والبحث عن تصريف هذا الانفعال، والدفاع عنه، هو ما يشوِّه المقصد الحقيقي للقضية، ويكشف إدعاءات أصحابها.

 

الأصل في الشيء الإباحة، هذه قاعدة شرعية، وقانونية، ولا يحد منها سوى الشرع نفسه، والقانون نفسه، بل حتى العرف والتقاليد وأخلاق المجتمع.. وحيث أن ممارسة الجنس هو الأصل، والخضوع لقوة ” الليبيدو” حق مرغوب فيه، فإن هذا الحق لا يقبل التجزيئ، ولا يقبل الانشطار، بل يتبخر بمجرد استناده إلى خلفية إيديولوجية مقيتة، وبدل أن يصير الرهان هو خدمة المشروع الإنساني في كليته، يصبح هاجس الدفاع عن الحرية الجنسية هدفا محكوما ب” اللامعنى”، بل فاقدا لكل شروط الوجود ” المسدّد بالأخلاقية” بلغة طه عبد الرحمان.

 

لماذا يرفع البعض شعار الحرية الجنسية؟ ولماذا يغيِّبون أشكال الحرية الأخرى؟ سؤالان ينطويان على وعي تام بخلفيات هذا الشق النضالي، الذي لا يعدو كونه تشويش على المطالب الحقيقية، وعلى رأسها الدفاع عن حرية الرأي، والتعبير، ودعم إنزالهما إلى عراك الواقع، واليومي، وديناميتهما، بل إقرارهما قناعة في الفعل، والسلوك.

 

النضال من أجل حرية الجسد، وممارسة الجنس، لم يتخذ يوما شكلا معزولا عن النضال من أجل حرية التعبير، والعيش الكريم، والعدالة الاجتماعية، وهي مطالب تحقق التوليفة الحقيقية للإنسان، أما تحييد المطالب الرئيسية، وعزلها عن نبض المجتمع، ورفع شعار ” الجنس” كأولوية، لا يعني سوى شيئا واحدا وهو أننا ننزِّل أنفسنا إلى مرتبة الحيوانية، إذ كلما اعتبرنا ممارسة الجنس، والحق فيه، أولوية، وأفق نهائي لنضالات الشعوب، كلّما أكّدنا طبيعتنا البهيمية، ورفضنا الواضح ل” السيستيم الإنساني”.

 

ولأنه لا شيء يحصل صدفة، يُطرح تساؤل عريض حول المرجعية الفكرية التي ينهل منها هؤلاء، والتي جعلتهم مؤمنون ب” الجنس محرك للتاريخ”، في وقت كانت الماركسية تؤمن بشروط التغيير المجتمعي، وبطبيعة الصراع الصانع لهذا التغيير نفسه، وهذا جد مهم بالنظر إلى المشروع الحقيقي، الذي يستوجب الدفاع عنه، وترسيخه في وعي الفرد، بصرف النظر عن انتمائه، أو مرجعيته الفكرية.

 

الجنس تربية، والحرية طبيعة، والعقل حاضن لمختلف أشكال الانفعالات، وكل افتعال للجدل هو في العمق خوف من الممكن؛ الحرية في أبهى تمظهراتها.

كلمات دلالية
شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)