حكومة الإنعاش

ذكرتني حفلة التعديل الحكومي الأخير بلعبة الكراسي التي تقوم على تنافس مجموعة من اللاعبين على الظفر بالجلوس على كراسي ناقصة عددا، ويتم إقصاء كل لاعب لا يتمكن بعد معركة صغيرة من تحقيق المطلوب بعد إشارة معينة، على أن التعديل/اللعبة هنا قد يقوم فقط على استبدال الكراسي بين اللاعبين والفرق التي تمثلهم وليس سحبها نهائيا، والحقيقة أن النظر إليه كحدث أكبر من لعبة ليس منطقيا أبدا، وكذلك ما يرِد من ردود أفعال تجاهه، والتي تشبه في النهاية ما يصدر عن مشجعي اللاعبين، لأن الجميع في النهاية متواطئ على حقيقة أن اللعب لا يغير من واقع الحال شيئا.

الدعوة لإجراء التعديل التي جاء بها خطاب العرش الأخير على أرضية ما سمي بضرورة إغناء وتجديد مناصب المسؤولية وتعزيزها بالكفاءات الوطنية، هو أمر دال على تعثر الحكومة وعدم الرضى عن مكوناتها التي طالما حاولت اقناعنا أنها متلائمة ومنسجمة لخدمة الصالح الوطني، وأيضا على عدم الرضى بحصيلتها بعد أكثر من ثلاث سنوات على اشتغالها، وبناء عليه فقيام التعديل بعد الدعوة الملحة إليه والتي تأكدت بعد استدعاء الملك للعثماني لسؤاله حول تقدم العملية، ليست إنجازا يستحق الاحتفاء كما يحدث، بل على العكس هو أمر يجب أن يمرره المسؤولون على مضض واستحياء، لكن هذا لا يحدث أبدا.

التعديل الذي جاء بتشكيلة ضمت 24 وزيرا مقابل 39 في الحكومة السابقة، وبعد إعلان حزب التقدم والاشتراكية انسحابه قبل نهاية المشاورات، لم يحاول تصحيح الخرق الحادث لإرادة المواطنين -%43 حسب وزارة الداخلية- الذين أدلوا بأصواتهم في آخر انتخابات تشريعية، بل وأكد على عبثية المشهد الذي تلاها. زيادة على أنه -أي التعديل- ألقى بعرض الحائط تقارير المجلس الأعلى للمحاسبة والمتعلقة بقضايا الفساد وسوء التدبير، بعدم المساس بالمتورطين فيها، ما يطرح علامات استفهام عديدة حول جدوى المجلس والعمل المنوط به، ونتيجة لذلك فالتعديل المفترض لا يعبر عن إرادة الناس ولا يخدم طموحهم ولا انتظاراتهم، هذا على اعتبار أن هناك من يُحمِله انتظارات وآمالا.

وتركيزا على التفاصيل حيث تختبئ المؤامرات والنوايا الحقيقية فضلا عن الشيطان، فإن الوقت الميت الذي تم فيه التعديل وهو عام ونصف فقط قبل إجراء الانتخابات التشريعية المقررة في 2021 يحيلنا على حقيقة الإرادة الغائبة في استثمار التعديل لتحقيق أي شيء، خاصة وبلدنا يهوى إطلاق الأوراش ذات المدى الطويل بما يكفي لنسيانها ونهبها لاحقا.

كما أنه لا يؤشر على وجود مقاربات جديدة في العمل أو خطط الإصلاح، ولا يحيل على أولويات خاصة بهذه المرحلة التي نعيشها وسط تجاذبات عديدة مع ما يحدث حولنا، باستثناء العزف على نغمة التقنوقراط، الأمر الذي يدعو للتساؤل حول معنى العملية الانتخابية برمتها إذا كان التدبير في الحكومة والإدارات لا يستقيم إلا بإدماج كفاءات من التقنوقراط، ويجر للسؤال الأصعب حول جدوى وجود هذه الأحزاب التي تتلقى التمويل والدعم إن كانت عاجزة عن تكوين أو استقطاب كفاءات تستطيع توليتها المواقع الحساسة، وتدبير كل القطاعات وسد الحاجات للأطر العلمية والتقنية، الحاجة لترقيع الحكومة بالتقنوقراط هو علامة إفلاس للساسة وللأحزاب التي يفترض للمفارقة أن تؤطر العامة.

واختصارا فهذه الحكومة الخارجة توا من غرفة الإنعاش دون أن تتعافى تماما، يراد منها تصريف الأعمال وتشتيت الغضب الشعبي لما تبقى من عمرها قبل أن تدخل مرحلة الموت السريري، وإذا كان الغرض من التعديل هو إنفاذ الرغبة الملكية فقد تم وحصد معه وجوها تستحق، وبذلك يكون قد جعل هذه النسخة الحكومية تطابق تماما الوصف الرسمي الذي يصدر في البلاغات الوزارية بتسميتها حكومة صاحب الجلالة. وأما إذا كان الأمر يتعلق بإعادة الأمل للمغاربة وربح رهان ثقتهم فهذا لن يتحقق قطعا بحفلة استبدال الكراسي هذه.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)