عدالة الاستثمار

قال الموظف الغبي بما يكفي لضمان وجوده على كرسي متهالك وراء مكتب في إدارة عمومية بمكان نائي عن المخططات والأوراش الكبرى المفتوحة في هذا البلد منذ عقود، وهو يجيب عن سؤال غياب التنمية حيث هو: هذا أمر طبيعي، إنه غياب الاستثمار وغيابه له ما يبرره أيضا، فإذا امتلكت المال مثلا فما الدافع الذي سيجعلني استثمره في مكان كهذا؟ وهنا فسر المسكين المعضلة وظن أنه أفحم سامعيه.. وإذا اعتبرنا أن جواب هذا الموظف يعكس فكر الإدارة فعلى فئة عظيمة من سكان الهوامش والمناطق الأقل حظا السلام.
الاستثمار إذا وباعتباره واحد من أهم أسباب النهوض وتوفير فرص الشغل والمساهمة بالتالي في تحقيق التنمية، تتحمل الحكومات مسؤولية خلق مناخه الجاذب والتشجيع عليه عبر التدابير التشريعية وتجهيز الكفاءات وضمانات المخاطر والتقاضي، والامتيازات المالية الضريبية والجمركية، وهذا أمر متجاوز ومتفق عليه حتما. لكن الذي يقفز للمشهد هو مدى استفادة جميع المناطق من نوع من عدالة توزيع رؤوس الأموال المستثمرة هذه، ذلك أن الحديث يجب ألا يتوقف عند أرقام حجم الاستثمارات والقطاعات المعنية بها بل يجب أن يشمل التساؤل التوزيع الجغرافي لهذه الاستثمارات بما يضمن تحقيق نهوض وتحقيق فرص شغل بالمناطق الأكثر حاجة، أما ما يحدث من تجاهلها من مخططات التنمية ورؤوس الأموال فلا ينتج سوى المزيد من الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي تنفجر في شكل انتفاضات اجتماعية.
خرجات المسؤولين المتوالية بما تتضمنه من أرقام عن وردية المشهد وكيف أن معدلات الاستثمار تجاوزت السقف المرسوم لها والأرقام الكبيرة من رؤوس الأموال الأجنبية التي تختار المغرب دون غيره، وعلى اعتبار أننا نصدقها جميعها تبقى غير ذات جدوى، ذلك أن الأهم هو الإجابة عن معضلة تركيز هذه الأموال في مناطق بعينها، ولهذا الأمر ما يبرره إذا استحضرنا منطق الدولة الربحي في علاج مشكل التنمية، هكذا وبدل أن يتم تجاوز معيقات الاستثمار في المناطق المصنفة هامشية والمفتقرة للبنيات التحتية عبر تهيئتها وتجاوز العقبات التي تجعل رؤوس الأموال تعرض عنها، والتدخل بما يضمن توزيع الاستثمار ليشملها خاصة أنها لا تملك خيارات كثيرة لحل مشكل البطالة، نجد الدولة تركن للحل الأسهل وهو تبرير الأمر بما يعكس سوء تدبيرها وسياستها المجحفة اتجاه أقاليم دون غيرها.
فلا يكفي أبدا أن يقدم البلد أرضية توصف بالمهمة للاستثمار ثم يجعلها ترتكز في قطب وحيد، بل المطلوب ضمان توجيه هذه الاستثمارات كثيرة كانت أو العكس حيث يوجد الخصاص، وذلك بتسويق ترابي جيد لجميع مناطق البلاد اعتمادا على ثرواتها وخصوصياتها الجغرافية والبشرية، وتحويل المناطق الأكثر عزلة وفقرا لتراب جاذب.
هذا بخصوص الاستثمار الأجنبي أما عن الاستثمار العمومي والذي يعمل أيضا على رفع الناتج الداخلي الخام وتحسين النمو فيكفي الاطلاع على تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الذي أورد فيه رأيه بخصوص التوزيع المجالي للاستثمار العمومي سنة 2015، وأبرز ما توقف عنده هو استحواذ ست جهات من أصل 16 (حسب التقطيع الترابي القديم) على أكثر من %61 من مجموع استثمارات الدولة والتي قدرت حينها ب 47 مليار درهم خلال فترة 2010-2013 ما يعني أن استثمارات الدولة نفسها تتسم بالتمركز في جهات معينة في غياب توزيع مجالي عادل.
هكذا لا يتم استثمار هذه الورقة الرابحة في تحقيق شروط التنمية وتخفيف حدة الأزمات المعيشية، والأنكى من ذلك هوما يجري من تضييق وعرقلة وسرقة صريحة لبعض المستثمرين المحليين الذي يحاولون النهوض بمناطقهم باستثمار أموالهم على ترابها والحكايات حول هذه القضية مشهورة، ما يجعلك تقول عودا على بدء ما الذي سيدفعني لصرف الأموال في مكان كهذا.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)