الثروة والثورة.. السؤال الآني والجواب المؤجل!

إن النفاذ إلى فهم حقيقة الثورة والثروة، وكشف ما ينطوي عليه المفهومان من التباس وسوء فهم، يمرُّ بالأساس عبر البحث في الأسس الفكرية، والتاريخية، والاجتماعية.. التي تشكّٓل في حضنها تصوُّر الرفض المنتج لأسئلة الحال والمآل، خاصة على مستوى ضبط مؤشرات الثروة، وموقف الجماهير من طريقة توزيعها.

 

في كل المجتمعات تتقاطع ثنائية الثورة والثروة، إذ تصبح ثقافة الرفض، والسخط العام، مؤشرا صريحا لمدى تغلغل الوعي الخلاّق في شعور ووجدان الأفراد، وأساسا على مستوى توجيه سؤال النقد نحو علّة الفعل، وتصبح معها الأسئلة الحارقة بشأن إنتاج الثروة وتوزيعها، مطلبا مشروعا، كما تصبح الثورة – باعتبارها منهجا بديلا في فلسفة تدبير السياسة الاقتصادية – مخرجا آنيا لتجاوز عنف الواقع وأعطابه.

 

ما يعنيني الإشارة إليه في باب الثورة، ليس كمفهوم نظري خالص، يتغذى على شروط الالتباس الحاصل بين الطبقات الاجتماعية، وعلى الفهم الكلاسيكي الذي يصب في خانة ” الانقلاب” على التشكيلة الاجتماعية، وعلى السياقين السياسي والاقتصادي المنتج لها، وإنما يستند مفهوم الثورة إلى ذاك الامتداد الممكن بين النظري والواقعي، على اعتبار أن الرفض، وفلسفة ” اللا”، وكل المواقف المخلخلة للبنية الجامدة، هي في العمق ترجمة لفلسفة تبحث في منطق التجاوز، انطلاقا من بدائل واقعية تضمن استمرارية ” السيستيم”، في تعارض تام مع التحليل الكلاسيكي لمفهوم الثورة، والذي أثبت التاريخ فشله، وعدم قدرة منظريه – الماركسيين وأتباع الفكر الانقلابي – على تحقيق فعّاليته في الواقع المعيش، إذ ليس بالضرورة أن تقود الفكرة الناجحة إلى تنزيل بديل اقتصادي، اجتماعي، وسياسي ناجح.

 

الثورة وسؤال الحال ليس سوى بحث في شروط تطوير نماذج اقتصادية واجتماعية في علاقتها بنظام سياسي قابل للتفاوض على طبيعة المشروع المستقبلي؛ مشروع يراهن على البعد التنموي، وعلى مخطط سياسي حقيقي يعنيه النهوض بواقع المجتمع وبآفاقه.

 

 

على هذا الأساس، فالسؤال حول الثروة، وطرق توزيعها، لا يختلف بمنطق المخالفة عن سؤال التغيير، وممكنات حصول الانتقال من مجتمع رٓيعي، انتقائي.. إلى مجتمع تضبطه قوانين العدالة الاجتماعية، ومنفتح على أقواس المساواة في الحقوق والواجبات.
ولأن الأهداف مشتركة، والواقع ناطق بنفسه، فإن الثورة ليست بالضرورة محاكمة للنسق السياسي، وليست أيضا انقلابا على الثوابت، وإنما هي فكرة يحركها رهان الأفضل، والبحث عن منهج تنزيلها في الواقع هو ما يفرض الالتفاف حول ما يضمن قدسية الحق المشترك، والكرامة المفقودة، وهذا جد مهم بالنظر إلى كلفة الهدم ( الثورة في معناها الكلاسيكي)، في مقابل صعوبة البناء، حيث تحضر أطروحة الألمانية حنا أرندت كإطار نظري موجّه في هذا الباب، وهكذا ف” بإمكان العنف أن يهدِّم، لكنه عاجز عن البناء”.

 

إن السؤال حول مآل الثروة، باعتباره تساؤلا كونيا، يعكس خللا في العلاقات الإنتاجية والاستهلاكية، يفرض البحث عن التغيير، وإحداث ثورات على مستويات عدة؛ الثورة في الفكر، والثورة ضد الجهل، وقبل هذا وذاك الثورة على ” الثورة” التي عطّٓلت كل آفاق التغيير المنشود، بالنظر إلى مراهنتها على مفاهيم إيديولوجية غذّت الصراع، لكنها أفشلت كل إمكانات الانتقال.

كلمات دلالية
شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)