عيد نظيف تيمُّماً

استثني سنوات عمري الأولى حيث لا تحتفظ الذاكرة بهكذا تفاصيل، ما سيتلوها من سنوات سيكون لزاما عليّ ليلة كل عيد أضحى التجهز له بعمل مخصوص، لا يتعلق الأمر بوضع حناء ولا تجهيز حلوى بل بأداء نصيبي السنوي من عملية سقي المياه كقريناتي من بنات القرى والمداشر.

قرابة ثلاثة عقود من الزمن مرت ولم يتم تجاوز مشكل انقطاع الماء عن الأحياء السكنية يوم العيد، حتى بات الأمر من الطقوس الواجبة في ذلك اليوم المميز بحاجته الكبيرة للماء قبل كل شيء، وما كان هذا الموضوع -ما دمنا قد تعودنا عليه- ليستحق الكتابة عنه لولا الحملة المستفزة التي أطلقتها نزهة الوافي كاتبة الدولة المكلفة بالتنمية المستدامة في محاولة استباق أزمة النظافة خلال هذه الأيام الاستثنائية، وحاولت نشرها عبر هاشتاج عيد سعيد ونظيف، وضمنتها أيضا مخططا طموحا لإعادة استغلال جلود الأضاحي كنوع من التجويد.

والحال أن السيدة الوافي تريده عيدا نظيفا بدون مياه، بدون توفر مكبات قمامة كافية، ربما تريده نظيفا على صعيد طاهر! هذه الدعوة الحالمة ذكرتني بتلك الحملات المدرسية الخاصة بالنظافة التي لم تؤتي أكلها يوما، لأنها ظلت مجرد كلمات تسقط في الفراغ، كلمات لا تجد صداها داخل أقسامنا المتسخة بطاولتها المهترئة والمفتقرة لسلة مهملات حقيقية بدل ذاك الصندوق الكارتوني الذي يصنف هو نفسه كقمامة، ومراحيضنا القذرة والمختنقة منذ الأزل والتي كانت أمهاتنا تتوعدنا حالة استعمالها، بل حتى صنابير الماء الصالحة للشرب المصفوفة على ذاك الممر الطويل الذي يشبه ما تورد منه البعير لا تعمل منها سوى واحدة، ووقوفك لتنتظر دورك عليها يعني أن تفوت عليك وقت المرح في الاستراحة، ويعني أيضا أن تتعرض للكثير من اللكمات والضربات والتهديدات قبل أن تبتل شفتاك بمياه لم نعرف يوما مصدرها. هكذا في هذا الجو الناطق قذارة وبؤسا يأتي من يكلمنا كل عام عن أهمية النظافة ويطلب منا تطبيقا لما تعلمناه كنس ساحات المدرسة وصبغ أشجارها بالأبيض، ويوصينا ألا ننسى تمشيط شعرنا وتقليم أظافرنا صباح الغد.

وهي نفس الحكاية بنسختها الراشدة تكرر معنا في عيد الأضحى، حيث تنقطع عنا المياه التي نؤدي ثمنها كل شهر ومعه لفيف من الضرائب والرسوم، وفي عز القيظ، وتدعونا الوافي لنكون أكثر تحضرا ونظافة.. طيب كيف ننزل حملة الوافي لواقع بهذه الشروط؟ فات السيدة نزهة ان تجيب عن هذا السؤال.

ويبدو أن الأشكال الاحتجاجية التي خاضها بعض المواطنين خلال السنوات الأخيرة والمتمثلة في تكديس نفاياتهم نهار العيد أمام بوابات المكاتب المكلفة بتوزيع الماء لم تنفع في لفت الانتباه للمشكل، ربما لأنه ملف مركب يفتح حديثا عن حالات متقدمة من الفساد والتلاعبات، الأمر الذي سبق وأوردته تقارير المجلس الأعلى للحسابات، ولعل محاولة المجالس الجماعية النأي بنفسها عن مرمى غضب المواطنين بدعوى انها فوضت هذا القطاع للشركات الخاصة أو الوكالات المستقلة لا يعفيها من واجب المراقبة وتتبع تطبيق دفتر التحملات واحترام المعايير، بل والتدخل لإعادة النظر في صفقات التدبير حال تمادي هذه الشركات اللي سلمها منتخبونا رقابنا تروح وتغدو فيها بسكين ضعف جودة الخدمات والفواتير السمينة.

أزمة توفر المياه وتكدس القمامة ليست حدثا خاصا بهذه الأيام، ولا يمكن أن يدعي المدعون أنهم نجحوا في تدبير الملف لأنهم بذلوا جهدا استثنائيا خلال ثلاثة أيام في السنة. لأن أصل المشكل هو غياب سياسة لإدارة الأزبال واستغلالها إضافة لمشكل ضعف شبكة الربط بالمياه وتهالك الموجود منها.

على أن الحقيق بالتحدث عن أزمة المياه هو السيد رئيس الحكومة الذي زايد علينا قبل مدة بامتلاكنا لنعمة الصنابير التي تجري ماء بمجرد فتحها، لولا فقط أننا ناكرو جميل مغرمون بالتحديق في النصف الفارغ من كأسه المملوء، الفارغ عيد هذا العام وكل عام.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)