عن هبة والآخرين

القيمة البخسة للفرد المغربي ثابتة في جميع محطات حياته، في تفاصيله اليومية، في مدرسته والشارع والإدارة، أثناء عطالته وبعد تشغيله، في طفولته كما في أرذل عمره، والحوادث التي تطالعنا كل يوم لا تزيد هذه الحقيقة إلا رسوخا. لا إنسان هنا يصارع لتحقيق توازن الروح والمادة، لبحث الأصل والحقيقة، لا مكان هنا لترف هذه التساؤلات، هنا إنسان يحاول فقط ان يستحق شروط حياة آدمية تتناسب وطفرة الحقوق التي شملت كل حي. ولسنا نتحدث هنا سوى عن إنسان متجرد، مهملين صفته كدافع ضرائب وعصب للتنمية، كأن يعترف له على الأقل بقيمته ’’ماديا‘‘ من خلال مساهمته في بناء واستمرار هذه الدولة بعمله وإنتاجه، حتى ان غضضنا الطرف عن الجانب الاخلاقي الذي سيرفض هذا الطرح الذي يستثني غير الفاعلين أطفالا كانوا أو مرضى أو عجزة.

في وطننا تستطيع أن ترى كيف تتغنى الدولة بشعارات الإنجاز والدينامية والإصلاحات الكبرى وهي تدوس على ضعافها وفقرائها، وهي تراهم عالة لا يستحقون تحريك آلياتها لأجل إغاثتهم تحت طمر أو في ركن ملتهب، وهي لا تبالي بتوفير الدواء والأمصال لهم. إن تكرار هذه الحوادث ذات النتائج المأساوية والتي كان يمكن تجنبها لو كان التعامل يتم على أساس تقدير الفرد باعتباره ثروة وباعتباره الهدف المحوري لكل سياسات التنمية والنهوض، يزيد من تأثيرها السلبي حتى لو حق لنا اعتبار خسائرها غير عظيمة وكان يمكن -في ظروف أخرى- أن تمر مرور الكرام، توالي هذه الحوادث الموثقة حاليا يزيد الشرخ بين الناس والمؤسسات، يعمق الهوة ويجعل ردمها أصعب وأبطء.

والقضية الحقيقية تتجاوز حديث الإمكانيات أو امتلاك التجهيزات أو تحديث وتطوير البنيات، مع أنها جميعا كانت لتصنع فرقا كبيرا في كل الفجائع المتتالية، إنما ما يدعو الناس للغضب والاحتجاج والدعوى للمساءلة وما يجعل صدى هذه الحوادث يصل بعيدا ويغدو رأيا عاما هو الإحساس بحقيقة تدني قيمة الفرد وعدم الاكتراث له ولهم وإن كثروا، لعدم حضوره في بال المتصرفين والمدبرين شأنه، فهنا نوع من ممتلكي وصناع القرار يعتقدون بحدوث التنمية وبالبناء دون التفات للإنسان وإصلاحه شؤونه وتكريمه وتقديس حياته.

مشروع التنمية البشرية التي كانت العنوان الأبرز لما اعتقدنا انه عهد جديد يعيد تعريف المواطن صالحا كان أو مدانا بما يضمن حقوقه الأساسية ويقدمه كأولوية في جميع سياساته ومخططاته لم ينجح فيما يبدو بإعادة تقييم الفرد وأنسنة أساليب التعاطي معه، في المقابل فإن العهد الجديد الحقيقي الذي مكنتنا منه التكنولوجيا جعلت الصورة والفيديو يؤكدان على أن لا شيء قد تغير حقا بعد كل هذه السنوات، هذا إن أحجمنا على الاعتراف بأن التغيير وقع لكن عكسيا باتجاه الأسوأ.

هذا والحديث فقط عن الحوادث التي يتسبب بها الإهمال وفساد البنى، لأن بالمقابل لا كلام يمكن أن يصف الحوادث المتعمدة من دهس وطحن وإطلاق للرصاص، وإن كانت هذه الحوادث جميعها تصب في النهاية في نتيجة واحدة هي اللاقيمة واللاتقدير لأبناء هذا الوطن فرادى وجماعات.

وليس مفهوما ما الصعوبة التي تعترض هؤلاء لفهم أن الانسان هو وحده محور التنمية، محركها الأساس وهدفها النهائي، لأنها نهاية -أي التنمية- ليست أكثر من تدبير جيد للموارد والكفاءات بما يلبي حاجاته ضمن شروط جودة محترمة، وهذا ليس معطى جديدا ولا اكتشافا ستتحمل الدولة تبعات ومخاطر تجريبه لأول مرة، فالفرد الذي يُمنح منذ طفولته ما يزكي تقديره اتجاه ذاته، والذي يتمتع بصحة جيدة ويحظى بتعليم جيد وشروط عيش صحية ينتج أكثر، ولا جدال بأن الكثير سيتغير عندما تتم إعادة تقييم الإنسان باعتباره ثروة، مصدر قوة وفخر، منه تنطلق الأعمال وإليه تعود النتائج، أما مادام الفرد هامشيا يسقط عمدا من مخططات التنمية وتبخس قيمته في جميع محطات حياته فهذا مؤشر على أن فجائعنا ستستمر ونحن نطالع كل مرة صورا لأناس تموت بفظاعة بعد حياة لا تبتعد كثيرا عن هذا الوصف.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)