خواطر في الخطاب

عقدان من الزمن.. هما فترة طويلة للإنجاز، وأيضا للتسويف، توالت فيهما الخطابات في كل مناسبة وعلى مدار العام، ولم تأت في كل مرة سوى بالذي ظلت تأتي به منذ بداية العقدين.

عشرون عاما كاملة بكل ما يستحضره الذهن عند الحديث عن هذا الرقم الذي – ويا للمفارقة- يلخص أمورا كثيرة، ابتدأت بحركة احتجاجات 20 فبراير بسياقها المعروف ومآلها المعروف أيضا، وانتهت بأحكام العشرين سنة بحق الشباب الذين حاولوا إحياء ثقافة الاحتجاج في شكل أكثر تنظيما وأوضح مطالبا هذه المرة. هكذا حصر هذا الرقم يومياتنا بين غليان الشارع الرافض للفساد والتراجع الحقوقي، وبين إخماده وشيطنته بتواطؤ القضاء والاعلام الرسمي ولا شيء حقيقة يتغير.

لا شيء سوى مزيدا من حدة الصوت الواحد الذي يردد في كل المناسبات نفس الكلمات الفخمة التي يعلم جميعنا أنها فقاعات فارغة للاستعراض، حتى أنها لم تعد تسلم من السخرية والتهكم وصارت موضوعا للنكات الطازجة. ننتظر في كل مرة مخاض الجبل ولا يلد، يتمخض فقط ليعلقنا أكثر بأمل نوقِفه على انتظار نتيجة المحاض، أو ربما يفعل ذلك فقط ليرينا أنه يبذل من أجلنا ولات من مصدق.

ونحن الملامون في كل مرة، على أحلامنا السمجة أن تهدأ، أن ترضخ فالخطب لا يفترض أن تؤسس لواقع جديد، هذه خطب للتماهي مع الواقع، نحن مسؤولون عن التمادي في تطلعاتنا، في تمسكنا بالتغيير في بلد لا تتغير فيه سوى مؤشرات أعداد البؤساء والعاطلين نحو الأعلى، وليس فيه من حرص على أمر سوى إبقاء الحال على ما هو عليه ليستقر بالتالي توزيع الهيمنة.

فإن واصلنا الجهر بآمالنا سنحظى بكلام كثير سيعود علينا بفقدان الأمل والركون للحضيض، وإلا فسنخسر المزيد من الانتظار ونحن نعتقد أن تغيير تشكيلة الحكومة سيضمن إيجاد الحلول، وكأن العيب في تركيبتها؟ وكأننا لم نجربها جميعا ونجمع على فشلها. ونحن في الحقيقة نملك تقديرا مختلفا لما يقال إنها مصالحنا العليا، وقضايانا العادلة. لهذا لن نصل يوما لنقطة توافق وسنبقى دائما أكثر ميلا لعدم تصديق الخطب.

نحن لا نحتاج تشخيصا فجميعنا نعرف أن المعضلة هي في تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية، عرفنا ذلك حتى قبل الخطب عرفناه من الاحتجاجات والحراكات الاجتماعية التي قُمعت وطعَّم أبناؤها سجون المملكة، إدارة الظهر لهذه الصرخات التي جاءت تعبيرا عن انسداد الأفق جعلتنا نوقن أن هذا المغرب ليس قطعا لجميع المغاربة، ولا يكفي الإحساس بافتقادنا لشيء أو التألم لحال فئات واسعة تعاني لجعلنا نعيد بعث الثقة بما تتطلبه من تحمل وانتظار.

لقد أعيى فهمنا البسيط إيجاد حل للانفلات من عنق الزجاجة هذا، لكن البداية المتفق بشأنها بلا شك هي حاجتنا من داخل السلطة لشخص يُسمح له بأن يكون قويا، يمتلك صدق الخطاب وشجاعة المواجهة، يستطيع أن يُعمل صلاحياته لا ان يتغنى بها فقط، شخصا يستطيع قيادة البلد للتغيير لا رجلا تخونه ركبتاه فيتعثر في محفل رسمي.. أما خارج السلطة فلا نحتاج نهائيا أشخاصا يعتقدون ان المعضلة هي في عدم تطبيق ما تأتي به الخطب، على هؤلاء ان يخرسوا قليلا أو ينشغلوا بإنتاج أغنية وطنية.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)