مخرجات التعاطي الإعلامي مع العطالة

آيت بوزيد محمد                                 

 

 قد نضطر في بعض الأحيان إلى الكتابة ليس فقط من أجل الترويح النفسي، فالعلبة مليئة ولا أعتقد أن الكتابة ستفي بالغرض حتى يتم بذلك تفريغ الشحن السالبة، على اعتبار أن قدرة الاستيعاب لمساحة الصندوق تجاوزت مستويات الاحتواء والمساكنة والمصاهرة المسموح بها.

 

        لكن صراحة ما دفعني إلى الكتابة هو بعض مخرجات ما يتم تنزيله من منتجات مهترئة ومستفزة أصبحت تفرزها الآلة الإعلامية وما يرافق ذلك الخطاب من تضمينات مبيتة ومبررات واهية في بعض الفيديوهات لمشكلة العطالة، حتى يتم إعداد المجال وتهيئته وفق أنساق وأنماط جديدة، يستطيع على إثرها المتلقي استقبالها وتحملها بنوع من البرودة والاحتضان الهاديء والتعود عليه كما لو أن “هاد الشي اللي عطا الله “.

 

         دون أن يفضي ذلك إلى طرح السؤال والبحث عن مآلاته، مما يعني أن التأثيت لإعاقة أي محاولة لطرح أزمة العطالة كإشكال مجتمعي على بساط النقاش العمومي يبقى رهانا للفاعل الرسمي، حتى لا يأخذ ذلك المعطل نصيبا أعلى من التعاطف والتضامن المجتمعيين. 

 

        إن ما تحاول الآلة الإعلامية (أكيد بالإنصات إلى توصيات الفاعل الرسمي) أن تقوم بتصويبه، لا يخرج عن قائمة الاستراتيجيات العشر للتحكم بالشعوب التي صاغها المفكر الأمريكي “نعوم تشومسكي”، خاصة فيما يتعلق باستراتيجية التدرج، “فلكي يتم قبول إجراء غير مقبول يكفي أن يتم تطبيقه بصفة تدريجية”.

 

       وهذا ما يتم التقاطه في بعض الفيديوهات كإقرار تسويقي بأن منطق البريكولاج والديباناج هو ما يستوجب الالتجاء إليه، وهنا أستحضر “استراتيجية المؤجل” والتي يتم الالتجاء إليها من أجل إكساب القرارات المكروهة القبول وحتى يتم تقديمها كدواء “مؤلم ولكنه ضروري”، وذلك بالاستعانة ببراديغمات إعلانية تخاطبنا كمجموعة أطفال لا تليق بمستوياتنا الجامعية، تتماهى بذلك مع مستوى التخلف الذهني وتعطل ملكة التحليل المنطقي والحس النقدي، وتعرض الفرد إلى الإحساس بالذنب وكأنه هو المسؤول عن تعاسته وحالته الحالية (حسب ما أقره نعوم تشومسكي).

 

          إن الترويج لهذه التصنيفات المشاريعاتية في كروسة لبيع السلاطة أو الزعتر أو الكرموس أو القهوة… (مع كامل احتراماتي وتقديري للفئات الاجتماعية الشريفة التي تشتغل وتقاتل من أجل توفير قوت يومها من مزاولتها لهذه الأنشطة إن هي وفرته)، هي في منظور الفاعل الرسمي تدخل في إطار التمكين من ثمار العدالة الاجتماعية ومقومات العيش الكريم، حتى لا تنغمس كرامة الإنسان في أوحال وأهوال متطلبات ومطبات المعيش اليومي المرير؛   مادامت هذه الأشباه المشاريع تحدث رجة في انسيابية التلقي لجيب معطل التصقت خيوطه الناظمة وتآكل من كثرة الجفاء والجفاف الذي خيم على أنسجته وفضاءاته, وأن نسبية منسوبية الارتفاع الطفيف لحرارة الجيب المؤقتة بدريهمات معدودة قد يقيم على إثرها الجيب حفلة صاخبة نظرا لاستثنائية الحدث واحتفاء بتوافد عضو جديد على الهياكل التنظيمية للمنتظم الجيبي. 

 

       فالمراهنة على واقع اجتماعي أفضل، رهان قد يصطدم في أول منعطف اختباري أو في بيانات لتقرير أممي أوفي إحصائيات لمؤسسات رسمية، على أن الواقع لايرتفع وأن مقرؤية التجاوز تلزم مشروطية ما هو متاح من تشفريت ونهب وتفويتات واختلالات، يكون مشجب تعلق عليه إخفاقات الفاعل الرسمي في صناعة سياسات تنموية تحتضن الطاقات والكفاءات. 

 

       وتأسيسا على ذلك يبقى علينا أن نتوقف عن التفكير كأوالية لتجاوز حالة المقت والقتامة والتسليم بمنطق “إيوا رضاو بالمكتاب “وإلا سيكون استحضار الخطة ب على وجه العجلة تستدعي تنزيل منطق “الزرواطة” وتكسير العظام كمنطق تدبيري أثبت نجاعته نسبيا. 

 

       لا شك أنه منطق حصري يتناسب معنا كصنف بشري لا يليق أن يكون في تطلعات واسشترافات برمجيات الفكر الحكومي، وأنه علينا تدبير أحوالنا متوقف عن مدى إدراكنا لتطورات المفاهيم لآليات السوق الحالية، وأن الاستثمار في كروسة هو القرار الأنسب وهو بمثابة ذلك المشروع التنموي الناجع الذي سيرفع الفرد من براثن الهشاشة وتعويضا مناسبا لسنوات التحصيل والبحث الجامعيين، وهكذا فاثبات نجاح هذه النوعية من المشاريع ليس من الضرورة بمكان أن تخضع لدراسات الجدوى حتى تكون قابلة للقياس من حيث التكلفة وزمن الإنجاز والجودة. 

 

         إلا أن ما يستوقفني ويضعني في دوامة من الاسقاطات هو أن ما تلقيته في مدرجات وبوليكوبات الجامعة والمعهد الذي يعتبر أن هدفية المشروع هو إحداث التنمية المستدامة وأسطر على صفة الاستدامة، وفق منطق حكاماتي يضمن الاستثمار الأمثل للاعتراف بالكفاءات وتحيين مدركاتها وتعبئتها بما يخدم التوازن المجتمعي ويلبي احتياجاتها بكل شفافية ومصداقية. 

 

        لكن يبدو أن الاستجابة ضعيفة وأن مصادرة الحق في العيش الكريم يتجاوز إلى أبعد مدى الخلل ومعطوبية التوزيع العادل للثورات وأن ما هو متضمن في المقررات والأبحاث الأكاديمية تبقى محصورة في فضاءات البنايات الجامعية وفي الندوات والمناظرات التي تقام في المنشآت الفندقية الفخمة. 

 

       والأدهى من هذا التعجرف في اللامبالاة أن فداحة الأزمة تنجلي أكثر في استحضار الخطاب الديني ليس فقط لتغليف المشهد وتعليب الأدمغة، بل استدعاء هذا المتن الخطابي يتمثل كهيئة للدفاع ترافع لجبر الضرر عن مآلات الخيبة والفشل وإخفاقات السياسات والساسة في تحقيق معدلات المردودية المطلوبة والجودة في الأداء وترشيد الأموال العمومية وتدارك النواقص. 

 

      على اعتبار أن حضورية هذا الخطاب يتم تكييفه كجوكير يقدم الأجوبة لكل الأسئلة في أي اتجاه وأن يكون عاما لكل الحالات المطروحة ولكل الناس ويعطي مشروعية لأي فعل، وهذا ما يجب أن نسقطه على العطالة كما لو أنها قضاء وقدر ولا يجوز أن نفكر في مسببات أخرى كانت عاملا في استفحال هذه الوحلة، لأنها قد تدخلك في هوامش لا يقبلها هذا الخط المرسوم سلفا من هذا الخطاب وتكون خارج سياقات الوعي الجمعي.

 

        ويكون التوظيف الأيديولوجي للخطاب رهين بالاستعانة بذلك الشيخ أو الإمام التابع للسلطة السياسية، الذي يحاول أن ينتقي خطابا دينيا يتناسب مع مستلزمات المرحلة ويقدم تبريرا للوضعية الحالكة وبأن الفقراء يدخلون الجنة على الرغم من أنه في موروثنا الشعبي نستعين في أدعيتنا من الفقر.

 

 ليتم تأجيل الإجابة عن سؤال المآل والوجود والثروة والمواطنة الحقة إلى آجل غير مسمى. 

 

 

باحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري  

 

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)