أبرز قادة حراك جرادة يكتب: طريق التغيير..بين النضال في حضن المؤسسات ومقصلة الشارع

إن معظم، إن لم نقل كل، التغييرات والتحولات التي شهدها العالم منذ القدم، لم تقم بها المؤسسات بإرادة حرة، رغم أنها تتوفر على كل المؤهلات، من (أطرعلمية، سياسية، اقتصادية…)، التي تخول لها ذلك.

 

بل كان الشارع دائما يشكل إما تلك القوة التي تضغط على المؤسسة لتتخذ قرارات تشمل كافة المجالات بغية تحسين ظروف عيش مواطنيها،  أو يشكل تلك اليد الحديدية التي تحطم المؤسسة، وتعوضها بأخرى لتقوم بما لم تقم به الاولى، فان لم تفعل ذلك فإن مصيرها يتحكم فيه الشارع.

 

 

وكما لا يخفى على أحد أن الانتفاضات العربية (الربيع العربي)، لم تبدأ بتأطير من مؤسسة معينة بل بدأت شعبية سلمية خالصة، وبعد ذلك التحق بها بعض الشخصيات الاعتبارية لغرض الاستثمار السياسي فقط، فإن تحدثنا مثلا عن (ثورة الياسمين) التي كانت بدايتها العفوية إضرام أحد الباعة المتجولين النار في جسده، مما دفع التونسيون إلى القيام بردة فعل تجلت في مسيرات تعبيرية بتأطير من شباب تونسي، وانتهت بفرار (الرئيس). فنظرا للريع والفساد السياسي الذي عان منه الشعب التونسي لمدة طويلة، نتسائل ألم يكن بإمكان المؤسسات أن تطيح بالرئيس بطريقة قانونية ؟؟ طبعا كان بامكانها القيام بذلك لكن ذلك سيتطلب وقتا طويلا وبلوكاج سياسي، لذلك نقول بأن النضال في الشارع دوما يكون ذو فعالية أسرع.

 

 

ولازال الشارع في بعض الدول كالجزائر والسودان يسعى إلى إسقاط أنظمته ومحاسبة كل المؤسسات والوجوه المسؤولة عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي الكارثي الذي عان منه الشعب لزمن طويل، فلولا حراك الشارع في الجزائر لما تم إعلان شغور منصب الرئيس، ولولا الشارع لما تم حبس بعض من رموز النظام الفاسد الذي كان آخرهم وليس آخرهم المسمى (اويحيى)، وبهذا دوما نتسائل عن دور المؤسسات التي لم تقم به في زمن (الهدنة والاستقرار)، فتحية للشارع الجزائري.

 

 

ونفس الشيئ بالنسبة لنظام (عمر البشير) الذي جوع وفقر وقتل الشعب السوداني. لقد طغى وتجبر لمدة طويلة وكانت تحميه طبعا مؤسسات نظامه، ولما أفاق الشارع وقرر محاسبته لم يكن أمام مؤسساته خاصة العسكرية إلا النزول عند رغبة الشارع، فعزلت الرئيس ..، ولازال الحراك الشعبي قائما رغم ما تعرض له المحتجون من قمع وحصار وقتل و خرق سافر لحقوق الإنسان.

 

 

ومغربنا الحالي لم يكن ليشكل الاستثناء، لأن عقلية أصحاب القرار العرب تكاد تكون نسخة واحدة. و لن نعود بالزمن بعيدا الى الوراء لنتذكر الشارع في سنوات الجمر والرصاص، بل سنبدأ بسنة 2011 كما اشرنا سابقا إلى تونس، وعدة دول لم نشر إليها (ليبيا، مصر، سوريا، اليمن..) لنلاحظ أن الشارع هو الذي سرع بعدة إصلاحات خاصة على المستوى الدستوري، حيث على الاقل ضغط لإخراج الوثيقة الدستورية الجديدة التي لازالت بعض فصوله مجرد حبر على ورق.

 

 

 وبعد مرور أزيد من ست سنوات وتحديدا بعد وفاة بائع السمك، الشهيد “محسن فكري” ببضع شهور، انتفض الشارع الريفي على الأوضاع المزرية التي يعيشها المواطنون على أرض أشرس المقاومات زمن الاستعمار، وشكل حراكا شعبيا سلميا جمع كل الأقاليم لتحسين ظروف عيشهم وكرامتهم، وتوالت الأيام وتسارعت الأحداث والوقائع حتى انطلق الفصل الأول من مسرحية (المحاسبة) و الإعفاءات والعزل في صفوف الوزراء والمسؤولين المحليين نتيجة الخروقات الجلية في برنامج الحسيمة منارة المتوسط وبرامج أخرى.

 

 

 فلو كان مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة على قيد الحياة لما قام الشارع ولما وصل الحراك الشعبي إلى ما وصل إليه من قمع واعتقالات في صفوف خيرة أبناء الشعب.

 

 

 وما كادت الترسانة القمعية أن تنهي مهمتها، حتى ظهرت حركة احتجاجية أخرى في الشارع المغربي، والحديث هنا عن حراك جرادة الإجتماعي، فهو ثاني أقوى حراك على المستوى الوطني، حيث رفع ثلاثة مطالب أساسية تمثلت في بديل اقتصادي وجبر الضرر عن فواتير الماء والكهرباء لاعتبارات حساسة، ومحاسبة المتورطين في الأوضاع القاهرة التي آلت إليها المدينة الفحمية منذ 1998، من حكومات متعاقبة ومسؤولين محليين كانوا على علم بما يقع في الاقليم من استغلال لأبناء الشعب من طرف بارونات الفحم ودفعهم للموت من أجل رغيف أسود يسد رمق أسرهم وعائلاتهم ..

 

ولكن لم تتخذ أية إجراءات للحد من نزيف لارواح الابرياء، فتفاقمت الأوضاع وازداد التوتر والاحتقان جراء ظروف المعيشة الصعبة، إلى أن تفجر الوضع بعد استشهاد الأخوين جدوان وحسين داخل أحد الآبار أو ما يسمى ب (الساندرية)، مما شكل بداية المد الجماهيري بشارع جرادة، ومن حسن الحظ وجود شباب في قمة الوعي حيث قاموا في الشارع بالدور الذي لم تقم به المؤسسات المعنية في تأطير الشعب والنهوض بوعيه السياسي.

 

 

وأعطي للحراك صيتا عالميا حيث أشاد العالم بسلميته وعقلانية مطالبه .. ولولا ضغط الشارع لما قام المسؤولون باتخاذ بعض القرارات الترقيعية التي جاءت جد متأخرة. لذلك وكما أكدت سابقا بأن الشارع كان ولازال هو الأدات الوحيدة التي تضمن التغيير.

 

 

طبعا إن كلامي ليس ضربا أو انتقاصا من كل المؤسسات، بل مجرد رأي مبني عن ملاحظات ليس إلا، وبهذا نخلص إلى أن أي محاولة أمنية للقضاء على الاحتجاج في الشارع بدعوى عدم التصريح أو الترخيص هي قضاء على سير الوطن نحو التقدم، فالشعب المحتج في الشارع هو الأدرى بمشاكله ونواقصه.

مصطفى أدعنين

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 1 )
  1. Kamel :

    كلام معقووووول يبقى الشارع هو الحل الوحيد والأوحد للمطالبة بكل الحقوق التي تضمن العيش الكريم للمواطن البسيط ولا ننسى محاسبة كل المسؤولين الذين أفقرو الشعب .
    بالوفيق

    0

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)