لصوص الدجاج

وأنا صغيرة حكت لي والدتي كيف أن أحد مدبري الشأن العام في مدينتا والذي كان ينحدر من نفس دوارنا كان معروفا فترة صباه وشبابه بلقب ’’ أنوشن‘‘والتي تعني بالعربية الثعلب، وأخبرتني أن سبب التسمية يعود لكثرة ما كان يسرق دجاج وفراريج سكان القرية، حتى إذا ضاق به الأهل درعا هناك طردوه غير مأسوف عليه، فكان ان استقر به المقام في المدينة، ورويدا رويدا وربما بفضل ما يتقنه من أخلاق الثعالب صار على رأس مجلسها البلدي، والعهدة على الراوية.

وحقيقة وبإعمال النظر في أشكال وسحنات فئة غير يسيرة من المتسلطين على تدبير شأننا العام يحق لنا ان نعتقد أنهم ولا شك يمتلكون ماضيا شبيها بماضي صديقنا الثعلب.

ومثل الثعلب الذي يقول المثل الدارج عندنا انه يلتهم الشاة ويبكي مع الراعي فقد اعتاد هؤلاء أن يغتنوا بتفقيرنا ويصعدوا بدحرنا أكثر اتجاه القاع ثم يذرفوا المدامع ويبدوا التأسف في مواسم التباكي والصور، حتى رسخ هؤلاء الكثير من المظاهر البائسة وسنوا بدعا قبيحة يكررونها كل مناسبة كنوع من واجباتهم الأصيلة. ربما لأنها تحقق لهم نوعا من النشوة وتضخم الحجم والشعور بالأهمية.

هكذا تعودنا مذ فتحنا أبصارنا على الدنيا -هذا ان كان حقا فتحها في المغرب يعتبر فعلا فتحا على الدنيا- أن نعاين الطقوس السخيفة وأحيانا كثيرة المذلة التي يعتمدها مسؤولو هذا البلد من كبارهم إلى صغارهم -في المسؤولية والقدر على حد سواء- في توزيع ما يعتبرونه مساعدات على المواطنين الأقل حظا، أو في أو تدشين بعض المشاريع القزمة أمام عدسات الكاميرا، ولا بد أن ذاكرة أغلبنا حافلة بالعديد من الصورة السمجة لمسؤولين يفتتحون مشروع ’’سقاية‘‘ واخرين يوزعون علب ’’رايبي‘‘ على فائزين في مسابقات رياضية، أو يقدمون فرّوجا في مناسبات دينية.

شيوخ ونساء وأطفال يستقدمهم هؤلاء بدافع الحاجة والفقر بسبب سوء تدبيرهم وفسادهم، ويسوقونهم سوق العبيد ليساوموا ماء وجوههم ببعض العطيات الحقيرة، مع حرصهم الغريب على توثيق الإهانة بالصور قبل السماح لهم بالمغادرة، وانه لمن المؤكد أن ما يتركه عيال الله هناك أكثر بكثير مما يأخذونه لكنه الفقر كافر لعين حولهم لرعايا يتمعشون بإحسان هؤلاء الذين وجدوا أصلا لخدمتهم، هكذا تحولت واجباتهم ومسؤولياتهم من ابداع الحلول وحسن توزيع المداخيل ومعالجة المشاكل المزمنة إلى تنظيم الإحسان، مع أن هذه الممارسات نفسها لا تسلم من ملاحظات حول حجمها الحقيقي ووصولها لمستحقيها الأصلين.

فإذا كنا نرفض هذه الإحسانات الموسمية خاصة فيما يتعلق بطرق تنظيمها أسلوبا لعمل المجتمع المدني فماذا يبقى ليقال عن المسؤولين ومدبري الشأن العام، هذا طبعا بشكل عام ودون الخوض في الخلفيات والتفاصيل المتعلقة بتسيس العمل الجمعوي وفتح الباب على الاتكالية وأيضا غياب شروط الضبط والتنظيم مما قد يضعنا مجددا أمام فاجعة كفاجعة سيدي بولعلام بالصويرة حيث قضت 15 امرأة جراء التدافع لبلوغ نصيب من مساعدات غذائية.

فلا تفهم نهاية أي تدبير هذا الذي يتخلى شيئا فشيئا عن دعم المواد الاستهلاكية الأساسية ويضرب القدرة الشرائية ويفاقم بسياساته العقيمة مشكل البطالة، وفي نفس الوقت يوزع مساعدات غدائية مناسباتية وينشر صورها كالفتوح العظيمة والإنجازات الباهرة، في الوقت الذي يظهر أنه لا يملك تصورا حقيقيا للإصلاح الاقتصادي في هذا البلد، فيعمل على ترويج سياسة القفف التي ليست سوى إحالة على افلاس في التدبير، أما الإصرار على توثيقها فدليل على افلاس قيمي.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 1 )
  1. طه احمد مثنى :

    زادك الله علما
    بدأت في النهوض والتقدم والحمد لله أسأل الله لك التوفيق والسداد وموفقة بإذنه سبحانه
    ولقد قرأت بعض مقالاتك الاولى وفيها تقدم ملحوظ وتحسن ممتاز

    0

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)