عيد الحرية

قبل سنوات قليلة لم يكن خبر صدور عفو ملكي عن بعض المدانين من طرف القضاء خبرا يعنينا في شيء بتاتا، ولا يثير لدينا أية ردود أفعال اللهم بعض الامتعاض الذي كان يبديه البعض ممن يحتجون على أصناف المستفيدين من هذا العفو، خاصة منهم المجرمون والمعتدون الذين يشكل لهم فرصة للعودة لترويع الناس، وخلال سنوات قليلة تلت صار واحدا من أهم الأخبار التي ننتظرها، هكذا تمر بنا المناسبات الدينية والوطنية وقلوبنا خاشعة وآذاننا معلقة بسماع خبر العفو لعله يشمل معتقلينا ممن تم تغييبهم أفرادا وجماعات وراء الأسوار لإجهاض الحركات الاحتجاجية الاجتماعية التي برزت على مدار العقد الأخير.

 

فكان أن أسفر انتظارنا ليلة عيد الفطر عن خبر العفو الملكي على عدد من معتقلي الحركات الاجتماعية بلغ 60 معتقلا من الحسيمة لم يشمل الأسماء المعروفة وأصحاب الأحكام القاسية إلى جانب 47 معتقلا يشكلون العدد النهائي ممن تبقى في السجون على خليفة احتجاجات حراك جرادة، وما إن انتشر الخبر حتى بدأ الحديث عن رمزية العفو وحقيقة التطبيع بالإدانة والتسليم بالجرم حالة قبوله، بل وصل الأمر برفع مطالبات للمعتقلين لرفضه.

 

وإن من نافلة الكلام التأكيد على أن المطلب الأول والأساسي والمستعجل في قضية المعتقلين هو إطلاق سراحهم وانهاء معاناة عائلاتهم المكلومة والمستنزفة، وأن أي حديث غيره يبدو نقاشا بيزنطيا لا يتسع له هذا المقام.

 

فمن كان قريبا من عائلات المعتقلين وعاين بعض من الأوضاع الصعبة التي عانوها بسبب اعتقال أبنائهم ومعيليهم حتى وصل الأمر ببعضهم لعرض أثاثه للبيع وانقطاع البعض الآخر عن زيارة أبنائهم لفترات طويلة بسبب عدم توفر مصاريف السفر إليهم، سيدرك أن أهم ما يمكن أن نطالب به هو حريتهم، فليخرجوا أولا ولينتهي هذا الكابوس وكل ما عداه يناقش لاحقا في وفرة الوقت وسكينة البال، هذا زيادة على أن للمعتقلين وحدهم الحق في التقرير بشأن قبول العفو من عدمه لأنهم وحدهم من يدركون حقيقة الحياة داخل الأسوار.

 

إن أيا ممن يحاضرون اليوم في نظرية العفو لم يسأل نفسه بماذا يمكن أن يقايض يوما واحدا من جحيم الاعتقال والتعذيب والكاشو، لهذا ببساطة يبدو هذا الجدال تنظيرا فارغا إلا من حب الظهور والمزايدات وكسب المواقف على حساب مآسي أولئك الشباب. وإلا فالواقع يقول إن أي جهد بدل لإطلاق سراحهم فهو محمود أيا كان مصدره، وأي سبيل كان ليحقق هذه الغاية فهو مشروع بالضرورة.

 

نعم يرتبط العفو في معناه الأول بالتجاوز عن خطأ أو جرم، الأمر الذي لا يمكن أن نسلم به في قضية شباب طالب بحقوقه المشروعة بواسطة أفعال مكفولة بنص القانون وممارسات العرف، لكن الذي يعتقد أن خروج الشباب بفضل العفو يعني تطبيعهم مع الوضع وقبولهم للتهمة كان عليه أن يرى ما حدث ليلة الإفراج عن معتقلي جرادة عندما اندفع الشباب المفرج عنهم لتريد شعارات الحراك وسط الجموع لحظة وصولهم وقبل حتى ان يبلغوا منازلهم ويعانقوا أمهاتهم، وكيف انطلقت ساعة بعد الافراج حساباتهم الفايسبوكية في النشر حتى أولئك الذين كانت تهمتهم الأساسية هي التدوين على مواقع التواصل.

 

هكذا والحال يفند الركون لرواية المخزن، فالذكاء يقتضي التعامل مع العفو كحق وتصحيح للمسار لا فضلا ولا منة، وذلك تماما ما يفعله الشباب المفرج عنهم أنفسهم، فلم يسبق أن خرج علينا أحدهم ليبوس الأعتاب ويقبل الأيادي ويوزع باقات الشكر والعرفان بسبب استفادته من العفو، لأنهم يدركون تماما أنهم لم ينالوا سوى أقل القليل من حقهم الذي يوجب تمتعهم بحريتهم غير مشروطة ولا مهددة. أما عن رد الاعتبار فيكفيهم في هذه المرحلة أن أهلهم ومجتمعهم ينزلهم منزلة الأبطال.

 

أما العفو فليس في النهاية سوى أداة ’’البخ‘‘ التي تستعملها السلطة بعد الاعتقال أداة ’’الكوي‘‘، وهو المخرج القانوني الوحيد الذي يحمي هيبتها المزعومة خاصة بعض أن قال القضاء كلمته، أما أن ننتظر مراجعة الأحكام والاعتراف بتزوير المحاضر والتعذيب الممارس لإجبار المعتقلين على التوقيع عليها فغاية صعبة مرحليا على الأقل، فكما أن النظام يغض طرفه عن وجوب تبرئة هؤلاء وتعويضهم عن الأضرار، نغض نحن أيضا طرفنا عن دلالات العفو ونعتبره تصحيحا للمسار واعترافا ضمنيا بعدم قانونية الاعتقال، لنكتفي معا بالنتيجة الراهنة: الشباب خارج الأسوار والأمهات هانئات البال.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)