حسن حمورو يكتب عن واقعة “تونس”

في واقعة استقبال رئيس تونس لرئيس ما يسمى البوليساريو، وجب الانتباه إلى ضرورة التصرف بما يليق بنضج ورزانة وتوازن المغرب، وبما راكمه من تقاليد دبلوماسية تستحضر التاريخ وعينها على المستقبل.

 

لذلك ردود الفعل المغربية، الرسمية والحزبية والشعبية، على ما قام به قيس سعيد، غريب الاطوار والمسار، الذي أصبح رئيس دولة محترمة في لحظات تردد ضباب كثيف، وإن كانت مشروعة وطبيعية، لأن الحدث مستفز وصادم ويصل الى درجة “الغدر” والطعن من الخلف، لابد ان تراعي معطيات تتعلق بالثابث والمتغير سواء في العلاقات الدولية او في علاقات المغرب مع جيرانه وشركائه وخصومه.

ومن هذه المعطيات:

– المغرب بحكم موقعه الجغرافي، وبحكم طبيعة خصوصية شعبه وعراقة مؤسسات دولته، ظل دائما مستهدفا في وحدته وسيادته، ومحط أطماع مختلف الدول والكيانات التي تعاقبت على “قيادة” العالم والمنطقة.

– حافظ المغرب على الحد الأدنى من الاحترام ومن المصالح المشتركة مع الجميع، أحيانا من موقع قوة، وأحيانا استجابة للضغوط والابتزاز، ولطالما قدم تنازلات اعتبرها البعض مؤلمة، رجح من خلالها بين السيادة الكاملة التي يمكن استرجاعها حسب الظروف والشروط التاريخية، وبين الوحدة الوطنية التي يصعب ترميمها عادة.

– قضية الصحراء تندرج في سياق الاستهداف المتواصل والمتجدد لوحدة المغرب، نجح صانعوها في جعلها مركز “صراع مستدام” وليس مجرد نزاع إقليمي محدود الأطراف.

– على الرغم من الأخطاء التي طبعت تقدير الدولة في هذه القضية، الا أن ما تحقق فيها على صعيد الوحدة الوطنية والاجماع الداخلي حولها، أصبح عنصرا أساسيا في معادلة الحسم، ونقطة قوة يجب ترسيخها واستثمارها.

– تعامل المغرب دائما مع الدول ومع المؤسسات الدولية، “بالتي هي أحسن” كلما صدر عنها ما يمس سيادته ووحدته، فلم يكن “متطرفا” في مواقفه الرسمية او الشعبية، واحتفظ بالتوازن مع الصرامة في الموقف، خاصة مع الدول العربية.

– الخطأ الفادح والفظيع للرئيس المسلط على تونس، لا يعني أن تونس حسمت موقفها من سيادة المغرب على صحرائه، بالنظر لكون قيس يمثل نظاما هشا ثبت انه معزول عن الشعب التونسي وقواه الحية المؤثرة، ويعيش لحظات مخاض عسير قد ينتهي بالالقاء بقيس الى حيث يلقي التاريخ بالمستبدين المصابين بجنون العظمة ووهم حكم الفرد.

– لابد من الحرص على التفريق بين أهمية وضرورة التعبير الصارم عن رفض ما قام به قيس سعيد، وبين ضبط النفس واللسان وعدم وضع الشعب التونسي وممثليه في موقف يجعله “ينصر دولته ظالمة”، وذلك بتجنب العبارات والقرارات الماسة بالكرامة او التي يفهم منها المنّ على تونس.

– أفضل من البيانات والتصريحات، أن تسعى الاحزاب الوطنية، ومختلف التنظيمات، الى ربط الاتصال بمثيلاتها ونظيراتها التونسية، ومخاطبتها بلغة التاريخ المشترك، والتداول معها في مستجدات القضية ومستقبل المنطقة برمتها، وما تفرضه من تعزبز فرص الوحدة والتكتل.

– في مثل هذه الأزمات، تلعب الصحافة الوطنية دورا مهما، في نقل المواقف الرسمية والشعبية، وتعبئة الرأي العام الوطني، لذلك وجب لجم صحافة الفتنة التي تصدر بالمغرب، لكن “غرف تحريرها” ليست بالضرورة مغربية صرفة.

– هذه الواقعة غير المسبوقة، تشكل فرصة مناسبة لمراجعة وتقييم الأداء الدبلوماسي الناجح في عمومه، والتراجع عن الأخطاء التي تم ارتكابها في قضية الصحراء، خاصة ما تعلق بربطها باستئناف العلاقات مع الكيان الصهيوني.

– أخيرا، فإن المواقف القوية والمشرفة، التي عبر عنها الملك أمير المؤمنين في خطاباته الأخيرة، لا ننتظر من خصوم المغرب دولة ومجتمعا، أن يتعاملوا معها بود، بل ربما تدفعهم الى ممارسات وقرارات هوجاء وعنيفة، لأنها ترى فيها صورة المغرب التاريخية التي يسعون لطمسها.

حسن حمورو، رئيس اللجنة المركزية لشبيبة العدالة والتنمية

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)