الأزمة الأوكرانية-الروسية أي دور للمغرب و المنتظمالدولي ؟

منير أزناي

المتتبع للشأن الأوكراني يستطيع أن يفهم بسهولة أن الوضع ليسعاديا، وأن الأزمة مرشحة للتعقيد أكثر، ولا حل يلوح في الأفق، كمايستطيع أن يفهم ايضا أن المفاوضات بين الطرفين لا يمكن أن تفضيإلى حل خاصة في ضل غياب رغبة قوية في التفاوض بين روسياواوروبا من جهة، وروسيا وامريكا من جهة أخرى … 

الوضع يتعقد أكثر، والاقتصاد ينهار يوما عن يوم: أسعار النفط،أسعار القمح، أسعار الذهب، الأسواق المالية، سوق العملات، كلالأرقام تقول أن الوضع كارثي لا يمكن معه لعب دور المتفرج كما لايمكن معه الصمت أمام الحياد السلبي للمنتظم الدولي الذي يبدلجهودا محتشمة في إيقاف روسيا عما تقوم به ويكتفي بالعقوباتالاقتصادية التي يمكن لروسيا تجاوزها عبر طرق ومسالك معروفة

وما يحصل في الحقيقة هو ليس ضد مصالح أوكرانيا فحسب، ولكنضد مصالح كل دول العالم أجمع وضد كل ما بناه حضاريا وثقافياواقتصاديا كما أنه ضد كل طموحات المنتظم الدولي في عالم يحلمشاكله بطرق غير العنف

فالعقوبات الاقتصادية بدون معنى إذا لم ترافقها إجراءات دوليةميدانية حادة وحقيقية تقودها الأمم المتحدة وتوازيها مبادراتديبلوماسية تقودها دول محايدة تحظى بالاحترام من الطرفين

وإزاء هذا الوضع فإن دولا عديدة قدمت نفسها كقوى محايدة ولوحتباستعدادها لتثمين أية مبادرات من شأنها حل النزاع، فلا يستغربمن دولة كالمغرب أن تتخذ قرارا  معبرا عن ضرورة الجنوح للسلمورفض العنف وذلك بالابتعاد عن منطق الانحياز لدولة ضد دولةوترسيخ فكرة الانحياز للسلم أيا كان طرفا النزاع،  وقد راكم المغربتجربة مهمة في الوساطة خلال النزاعات، كنزاع ليبيا الداخلي والنزاع الفلسطيني الاسرائيلي والنزاع الداخلي الفلسطيني ونزاعات أخرى عبر العالم و على مر التاريخ. كما تمتلك قيادته وعلىرأسها صاحب الجلالة احتراما وازنا في المنتظم الدولي.

إن هذا الموقف المحايد للمغرب يعكس بعد نظر قوي وإيمانا بأن الحللا يمكن ان يكون في الخيار العسكري، وهو ما لا يقوم به المغرب معملف الصحراء وإن كان قادرا على ذلك، كما ينم عن معرفة مسبقة بأنالملف الأوكراني لا بد له من حل سلمي يتوصل إليه عن طريقالمفاوضات حتى إن رفضتها روسيا بشكل مرحلي، فلا بد من لحظةيتوقف فيها التدخل العسكري ليفسح المجال للتفاوض  الذي لا يمكنأن يحصل إلا بمواقف دولية مثل موقف المغرب الذي رفض ان يكونأداة لتأجيج  الصراع وزيادة القتلى في صفوف المدنيين

إن الرغبة في الجنوح إلى حل سلمي بشكل مستعجل وإيقاف أياستمرار للعملية العسكرية هو محاولة لإيقاف نزيف سقوط المدنيينكما أنه محاولة لإيقاف نزيف اقتصادي عالمي فالمتابع لأخبارالاسواق العالمية وسوق البترول والعملات والاخبار الاقتصاديةوالعقوبات المفروضة على روسيا وردود افعالها سيفهم أن الوضع قاتموأن المستقبل مظلم لا بد معه من مبادرات حقيقية ومساع دولية جادةلإيقاف هذا الوضع لأنه يهددنا جميعا.

ولا يمكن لهذا الوضع أن يمضي نحو انفراج في ظل تعطل آلياتالعمل الدولي وفي ظل غياب ميكانزيمات عسكرية دولية لحفظ السلامبدرجة أولىَ لا من أجل الاصطفاف لطرف على حساب طرف، بل منأجل تفعيل الدور النبيل الأول للأمم المتحدة: تنظيم العلاقات بين الدولوالمؤسسات الدولية، وهو ما يجب أن يحصل اليوم لأن أي سقوطلأوكرانيا هو سقوط لأوروبا وأي سقوط لأوروبا لا يمكن إلا أن يكونمدوياً خانقا للاقتصاد وللأمن والسلم العالمي.

 

إن هذا الوضع العالمي القائم الذي يأتي بعد ركود اقتصادي وأزمةصحية خانقة لا يمكن إلا أن يكون وضعا غير مرغوب فيه، تعاني معهالشعوب قاطبة وعلى رأسها الشعب الروسي الذي لا أعتقد أنه يرحببحرب تقودها بلاده والتي سيكون أول من يدفع ضريبتها وأول منيتحمل مسؤولية نتائجها وما يحصل اليوم من سقوط مدوٍ للاقتصادالروسي ومن ضرب للقدرة الشرائية للمواطن الروسي خير دليل علىذلك

وبناءً على كل ذلك فإن المساعي الدولية ينبغي أن تتخلص منأنانيتها، فأمريكا مثلاً ينبغي أن تتوقف على لعب دور المدافع عنأوكرانيا في حين أنها لا تقوم بذلك كما ينبغي، وروسيا ينبغي أنتتوقف على لعب دور الدب الجائع الذي سيفترس كل من يجده أمامهوأوروبا ينبغي أن تتوقف على المتاجرة بمصالح الشعب الأوكراني منأجل الضغط على البوتين للحصول على امتيازات أو تفضيلات،فأوروبا تعلم جيداً أن أوكرانيا لن تنضم للناتو ومع ذلك فهي تارة تلوحبذلك وتارة تشير إلى أن الأمر بعيد المنال وهو ما يضع الشعبالأوكراني أمام مطرقة روسيا وسندان الناتو في وضع إنساني صعبيزيد من مرارة الوضع إقليميا ودولياَ.

 

إن العالم اليوم يجب أن يقف وقفة حقيقية مع نفسه وأن تتظافرالجهود الدبلوماسية للدول التي لا تقبل على نفسها أن تكون أداةللسياسات الخارجية للدول العظمى من أجل بدل كافة الجهود لإيقافهذا الذي يحصل، وعلى رأس هاته البلدان بلدي المغربي الذي أتمنىَأن ينضم لأي مبادرة من شأنها أن توقف نزيف الحرب وتعيد السلام.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)