الدواء العليل

أعاد تقرير حول أسعار الدواء في المغرب بثته قناة اسبانية مؤخرا النقاش والجدل -المصحوبين بالكثير من الإنكار والاستهجان- حول هذا الملف. التقرير أفاد بأن أدوية بإسبانيا تعادل قيمتها 6 دراهم تباع ب 600 درهم بالمغرب، ليس هذا فقط بل كشف أيضا أن المقارنة بين المغرب ودول أخرى عربية وافريقية يظهر أن ثمن نفس الدواء قد يرتفع ل %800. هذا عدا حقائق أخرى تتعلق خاصة بتهريب الأدوية من إسبانيا إلى المغرب لبيعها بأسعار تفوق ثمنها الحقيقي بكثير.

كل ما ورد يتفق تماما مع تقارير دولية أكدت على أن أرخص الأدوية بالمغرب تباع بسعر يزيد على الأقل بـ %30 على ثمنها في باقي دول العالم. حيث تفوق مثلا أثمنة الأدوية بالمغرب بنسبة %20 إلى %70 مثيلاتها في فرنسا، رغم أن أثمنة الأدوية في فرنسا هي من بين الأكثر ارتفاعا في أوربا.

يتفق هذا أيضا مع تقارير وطنية رسمية صدرت عن مؤسسة البرلمان حيث شكلت لجنة المالية والتنمية الاقتصادية فريقا لمهمة استطلاعية حول ثمن الدواء بالمغرب سنة 2009 وجاءت خلاصات اللجنة مركزة على الارتفاع الغير العادي لأثمنة الدواء بالمغرب حيث وجدت أن أثمنة نفس الدواء تختلف حسب العلامات التجارية بنسب تصل إلى %600 كما قد تختلف أثمنة نفس الدواء تحت نفس العلامة التجارية حسب المكان الذي تشتري منه بنسب تصل إلى %300. وأرجعت مسؤولية ذلك لجزء من صانعي الأدوية، وللمساطر الإدارية المتبعة لتحديد ثمن الدواء، ومساطر التعويض عن الأدوية من طرف التغطية الصحية.

تقرير آخر صادر عن نفس المؤسسة سنة 2015 قامت به لجنة القطاعات الاجتماعية حول الأسباب التي أدت إلى الارتفاع القياسي لأسعار الدواء بالمغرب، قال بأن الأمر راجع لاختلالات مسجلة في قسم الصيدلة، وتتعلق أساسا بمنح الإذن بالعرض في السوق، حيث كشف وجود إخلال بالالتزام بالقانون المرتبط بآجال الإذن بالطرح في السوق. بالتالي وجود ارتباك متعمد يهدف ربما لترك الباب مفتوحا للتلاعبات بأثمنة الادوية واحتكارها في ظل غياب الشفافية والمتابعة.

والمثير للتساؤل هنا هو عدم تحرك الأجهزة المسؤولة والوصية على القطاع رغم مرور أربع سنوات على آخر لجنة تحقيق للبدء في تنفيذ التوصيات من قبيل عدم حصر تحديد ثمن الدواء في وزارة الصحة وحدها، والقيام بمراجعة الأثمنة الحالية، وإعادة النظر في نسب التعويض عن الأدوية التي تحددها التغطية الصحية بغرض تشجيع الأدوية المنخفضة الثمن، وتفعيل مجلس المنافسة.
التقارير الرسمية إذا تقول بأن من الممكن خفض ثمن الدواء بالمغرب بنسب جد مهمة، ولكن ذلك يبقى رهينا بإجراءات السلطات العمومية. التي يبدو أن ’’ مزاجها العام’’ ينحى في اتجاه ترك هذا الملف يدير نفسه وترك المرضى ضحية لغياب المسؤولية وانعدام الإنسانية.
هكذا سيستمر المواطن المغربي في الإنفاق من مصادر دخله الهزيلة أصلا لشراء علبة دواء بثمن مضاعف مئات المرات عما يمكن للموطن الفرنسي مثلا شراؤه، مع استحضار متوسط الدخل الفردي وجودة خدمات القطاع في البلدين. وهكذا دائما سنستمر بالحديث عن السياسات الدوائية الناجعة والصناعة الدوائية الوطنية التي تحقق الفعالية والوفرة والثمن الموضوعي دون أن نتقدم خطوة في اتجاه تحقيق ذلك، مادام التخبط قائما حتى مع الاعتراف الرسمي بوجود الخلل. لتبقى هذه السوق الرائجة جدا مرتعا للتلاعبات وحصد الأرباح على حساب عذابات المرضى.

هذا طبعا ليس كل شيء فهنالك أيضا غياب أصناف من الدواء من الصيدليات الوطنية تماما، مما يضطر المرضى للبحث عنه خارج البلد، فتبدأ معاناة أخرى موازية لمعاناة المرض وأسوأ منها أحيانا، في مقابل ذلك تزدهر سوق الأدوية المهربة بكل ما تمثله من خطورة على حياة وصحة مرتاديها قصرا وهربا من الأثمنة الفاحشة للأدوية في أماكنها الأصلية.

المثير للسخرية وأنت بصدد البحث والمقارنة حول أثمنة الأودية بالمغرب أنك تجد أن بعض الأدوية الجنسية هي الوحيدة التي تتوفر بثمن مشابه أو حتى أقل من مثيله في باقي الدول التي تمت المقارنة معها.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)