فاتح ماي وقرابين أبريل

عيد الشغل لهذه السنة استشرفته ثلاث حوادث قاتلة أدت تكلفتها أكثر فئة تعاني وضعا مزريا مسكوتا عنه ضمن طبقة العمال. النسوة العاملات وخلال شهر واحد فقط ليس سوى أبريل المطبوع بالسخرية المرة كن موضوعا لتجربة الموت! دماء حارة عبدت الطريق نحو ماي رديف أبريل حيث من المفروض أن تشتعل احتجاجات العمال، قبل أن يتحول موضوع اليوم لاحتفالات بلا طائل وبدون إنجازات.

الحوادث الثلاثة التي لم يتوقف عندها المعنيون كثيرا ولا قامت على إثرها قرارات تصحيحية وجزرية تمنع تكرارها ولا فتحت نقاشا حول ظروف عمل هذه الفئة ولا ما تعانيه من إكراهات مع أنها كانت حوادث قاتلة جاءت متتابعة في ظرف شهر كما هي عادة المصائب. وكان موضوعها انقلاب أو تصادم عربات نقل العاملات نحو أماكن عملهن، الموت هو ما يمكن أن يحدث في الطريق فقط، أما ما يقع داخل مقرات العمل فيبدو أنه سيبقى حبيسها إلى حين.

الحادثة المميتة الأولى وقعت صباح الأربعاء 3 أبريل وجرت حصيلة ثقيلة بوفاة 8 من العاملات في المجال الفلاحي وإصابة 30 إثر اصطدام السيارة التي تقلهم بشاحنة على الطريق بجماعة مولاي بوسلهام بإقليم القنيطرة.

الحادثة الثانية جاءت بعد أقل من أسبوع من الأولى وبالضبط يوم الاثنين 8 من أبريل وأدت لوفاة عاملة زراعية دائما فيما أصيبت زميلاتها بجروح ورضوض، في حادث انقلاب شاحنة صغيرة حشرت فيها 16 عاملة لتنقلهن إلى أحد الحقول الفلاحية، بإقليم تارودانت.

أما خاتمة الحوادث لهذا الشهر فقط فكانت عشية عيد العمال الثلاثاء 30 أبريل عندما لقت عاملتين مصرعهما وأصيب 26 آخرون من زملائهن في إحدى وحدات تصبير السمك، بمنطقة أنزا بمدينة أكادير عندما انقلبت الحافلة التي كانت تقلهم.

هذه الأرواح التي أزهقت فتحت الباب على حقيقة الظروف المزرية التي تكابدها المرأة العاملة بالأساس. فيبدو أن الحديث عن ظروف الاشتغال وعائداته ومدى مواءمته للمواثيق الدولية واحترامه للتشريعات الوطنية لم يعد الموضوع الرئيسي، بل صار ترفا مادامت رحلة العمل نفسها أصبحت مميتة. إذ على العاملات مجابهة خطر الموت يوميا خلال التنقل من وإلى مقرات عملهن بسبب شروط النقل اللاإنسانية والحالة المزرية للوسائل المستعملة في النقل كدليل وقح على مدى الاستخفاف بحياتهن.

المرأة العاملة بقوتها وقوت عيالها غالبا، الراضية مضطرة بأقل العائدات والمكتفية بأقل الشروط، المأمونة الجانب المتكتمة حول أبشع الاستغلالات، هي المرأة التي لا تعلم غالبا بوجود عيد للعمال وإن علمت فلن تنتظر منه إنصافا، فالعمل بالنسبة لها هو اضطرار متعلق بتخفيف بشظف العيش وضمان الرغيف فقط، ولا علاقة له بشعارات تحقيق الذات والارتقاء في المسار المهني وصناعة المشهد ومواجهة التغييب والتبخيس ودعم المساواة والتمكين. النسوة ممن قضين أو أصبن خلال هذه الحوادث وغيرها كثيرا مما لا يحظى بالتغطية، هن الباحثات عن مصدر قوت فقط، هن اللواتي يسقطن دوما من حسابات الساسة والنقابيين على حد سواء، هن اللواتي يتم التعاطي مع حقيقة موتهن على الطريق كحوادث منعزلة أو قدرية رغم تكرارها، هن اللواتي يقضين في الطريق قبل أن يصلن ليحدثننا عما يحدث داخل مقرات العمل. هؤلاء النسوة اللواتي صارت تفضلهن أسواق العمل لأنهن الأكثر انتاجا والأقل اعتراضا مما يعرضهن أيضا وزيادة على كل ما يعانين للهجوم من طرف زملائهن من الرجال الذين مازالوا يرون في خروجهن الاضطراري في أغلب حالاته تضييقا على فرصهم وتنافسا معهم.

وعليه فإن أنسب موضوع لفاتح ماي هذه السنة هو النساء العاملات ممن يقعن في أسفل السلم الوظيفي والاجتماعي على السواء، هنالك حيث التحرش والتمييز وإقصاء النساء ذوات الأطفال وتدني الأجر مقابل عدد ساعات العمل والعمل خارج إطار القانون وغياب أي تغطية اجتماعية أو إطار نقابي وقبلها جميعا الموت وكأن الأمر يتعلق بمائة عام للوراء.

بالتالي فعلى المكونات النقابية باعتبارها حاملة لواء الدفاع عن هذه الفئة والمعنية أساسا بمشاكلها أن تخجل والأولى أن تضرب حدادا طويلا بدل الاحتفال، لكن هذا لن يحدث طبعا بل سيصعد متصدرو الخطابة المنصة ككل سنة ليحاضروا عن إعادة الاعتبار إلى المرأة بكل مكوناتها الإنسانية والاجتماعية والحقوقية، وعن دورها الكبير والتاريخي في صناعة المشهد العمالي، كل هذا والدماء المراقة على الطرقات ماتزال حارة، ورائحة الموت تغلف الفضاء.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)