التلاعب في فواتير الاستيراد يكبد المغرب خسائر بالملايير

قبيل أيام من المناظرة الثالثة حول النظام الجبائي المغربي التي عقدت يومي 3 و 4 مايو/أيار الماضي، وزع مكتب منظمة اكسفام بالمغرب، تقريرا بعنوان “ضريبة عادلة من أجل مغرب منصف”، وفيه أن 2.45 مليار دولار هي تكلفة الخسائر الضريبية التي يتكبدها المغرب كل سنة بسبب التهرب الضريبي للشركات متعددة الجنسيات.

رقم كبير بالنسبة لبلد يسعى إلى تطوير نظامه الجبائي والضريبي لتحقيق العدالة الجبائية، وبقدر اختلاف مصادر مداخيل الجبايات والضرائب، بقدر وجود أساليب للتحايل دائما والتلاعب للتملص دفع الرسوم المستحقة.

ولعل التلاعب في الفواتير وبالخصوص في قطاع الاستيراد في المغرب واحد من الأساليب التي ينهجها العديد من المستوردين للسلع إلى السوق المغربية، لدفع رسوم أقل لا تتناسب مع البضائع المستوردة.

أساليب وتدقيق

وفق مدونة الجمارك، فإن الموردين ملزمين بتقديم التصريحات اللازمة لدى مصالح الجمارك حول قيمة الواردات ونوعيتها، كما هو الشأن في جميع مناطق العالم، وهي الخطوة التي تسبق أداء الرسوم والمكوس الجمركية.

لكن بعض المستوردين الذين يطمحون دائما إلى تحقيق الكثير من الأرباح، لا يصرحون بالكميات الحقيقية، وأمام الصعوبات التي تواجهها الجمارك في كثير من الأحيان للتحقق من الكمية المستوردة تضيع الكثير من الموارد في شكل رسوم.

ووفق المعطيات المتوفرة فإن العديد من المستوردين يلجأون إلى التلاعب في الفواتير بالاتفاق مع التجار الذين يقتنون منها هذه البضائع وبالخصوص من الصين وتركيا، وقد تم اللجوء إلى هذه الحيلة في الواردات التركية من الملابس بعد فرض المغرب قبل سنتين لرسوم جمركية على واردات الملابس بقيمة 25٪ رغم ارتباط البلدين باتفاقية للتبادل الحر، غير أن مصنعي الملابس في المغرب دفعوا الحكومة المغربية باللجوء الى المقتضيات الحمائية الخاصة في الاتفاقية لحماية المنتوج الوطني.

وقد وقفت مصالح الجمارك في اطار ممارسة اختصاصاتها الرقابية حتى بعد الاستيراد، من تحديد العديد من التعاملات التي يشوبها التحايل، خاصة في قيمة الفواتير، وهذا ما تم مطلع السنة الجارية حيث مكنت عملية مراقبة واسعة ومقارنة للفواتير التي ادلى بها موردي ملابس من تركيا مع فواتير لمنتجات مشابهة مستوردة من مناطق أخرى من وجود فارق كبير في السعر وهو ما عجز أمامه الموردون عن تبريره.

وتعد عمليات المراقبة هذه واحدة من الأساليب التي تكافح بها مصالح الجمارك التحايل والتلاعب في الفواتير المدلى بها في نقاط أداء الرسوم.

وإذا كان الموردين يلجأون إلى التلاعب في الفواتير لتحقيق هامش من الربح أكثر، فإن عبد الله هامل النائب بالبرلمان المغربي، والعضو بلجنة المالية يؤكد بأن هذه التلاعبات لا يمكن أن تكون بمعزل عن تواطئ مع موظفين في الادارة.

ويضيف بأن عمليات التلاعب أيضا يلجأ إليها بعض الموردين، بالنظر إلى أن القطاعات المعنية بالسلعة المستوردة وبالخصوص الملابس الجاهزة، تعاني من منافسة القطاع غير المهيكل، وبالخصوص التهريب الذي يتم عبر الحدود الحنوبية للمملكة مع موريتانيا.

رسوم وتحصيلات

تشير وثائق قانون المالية للسنة الجارية، التي اطلع عليها شمس بوست، أن حصيلة الضريبة على القيمة المضافة التي ستقوم بتحصيلها إدارة الجمارك والضرائب غير المباشر في الداخل وفي الاستيراد ما مجموعه 4067690000 درهم مقابل 38362800000 درهم برسم سنة 2018 أي بزيادة قدرها 6.03٪.

كما تبلغ موارد رسوم الاستيراد ما قدره 9388111000 درهم مقابل 9659930000 درهم برسم سنة 2018 أي بانخفاض قدره 2,81٪.

وتبرز بيانات تنفيذ ميزانية 2019، إلى تدهور في مداخيل الرسوم الجمركية الى حدود متم الشهر المنصرم.

فإذا كانت المداخيل الجبائية قد ارتفعت بـ3,2 مليار درهم أي ما يعادل 3 في المائة، نتيجة انعكاس بعض الإجراءات المدرجة في قانون المالية، لاسيما المساهمة الاجتماعية للتضامن المترتبة على الأرباح، والرفع من سعر الضريبة الداخلية على الاستهلاك المفروضة على التبغ، فإن ذلك يبقى متواضعا تحت تأثير انخفاض كل من الضريبة على القيمة المضافة ب 1.1 مليار درهم والرسوم الجمركية ب363 مليون درهم، وأن كان هذا التراجع تعزوه وزارة المالية الى تعليق الاقتطاعات على الواردات من القمح.

في الحقيقة فإن هذه النتائج تبقى مرحلية، ولكن على اعتبار إدارة الجمارك تؤكد أن مداخيلها تشكل موردا أساسيا لميزانية الدولة، حيث تقوم بجمع حصة كبيرة من المداخيل الجبائية لميزانية الدولة (ما يقرب من 40٪ سنويا)، فإن حجم التلاعب المسجل في التصريحات المقدمة للجمارك في نقاط تواجدها يمكن أن يكون في المنحى المعاكس للرسوم المستخلصة حتى نهاية يونيو.

وتشير البيانات إلى استخلاص مصالح الجمارك السنة الماضية لحوالي 2,76 مليار درهم كرسوم إضافية بعد عمليات التدقيق في الفواتير والتصريحات المقدمة لدى مصالحها، والتي شملت بضائع تجاوزت قيمتها 10,69  مليار درهم.

تحايل أكبر..إجراءات أكثر

يلجأ العديد من الوردين المغاربة أيضا، إلى استيراد حاجياتهم عبر موريتانيا ويتم نقل جزء كبير من هذه البضائع عبر الحدود عن طريق التهريب تملصا من دفع الرسوم الجمركية المستحقة، وهو ما دفع الجمعية المغربية لشركات النسيج الى دق ناقوس الخطر لوضع حد لهذه المنافسة غير المشروعة.

وإذا كان البكاي المحمدي، أستاذ الاقتصاد بجماعة محمد الأول، يؤكد هو الأخر بأن غياب الوسائل وأليات الضبط والردع على مستوى نقاط المراقبة، الأمر الذي يسهل التلاعب في التصريح بالكمية والقيمة، نبه إلى الإنعكاسات الكبيرة على السوق الداخلية.

ويرى بأن ضمان وسائل التحقق من قيمة ووزن السلع الخاضعة للرسوم الجمركية، كالتجهيزات اللوجستيكية ووسائل العمل في النقاط الحدودية والموانئ، وضمنها أيضا الكادر البشري الكافي، كفيل بتقليص حجم التلاعب، وإن كانت مسألة القضاء على الظاهرة يتطلب من جهة وقت أكبر وتحديث عام لمنظومة التتبع والمراقبة.

ويبرز بأن التوجه نحو الرقمنة في إطار التحديث الرقمي وخطة المغرب في الاعتماد على الادارة الالكترونية عامل أيضا سيكون له انعكاس على إيرادات الدولة من الضرائب، ولا يقتصر الأمر على الرسوم والمكوس المفروضة على الواردات وإنما على الوعاء الجبائي بشكل عام.

تم نشر هذا المقال عن طريق (www.chamspost.com). 
هذا المقال جزء من برنامج ثروات الامم، وهو برنامج تطوير المهارات الاعلامية الذي تديرهمؤسسة طومسون رويترز 
 بالشراكة مع مركز التطوير الاعلاميللمزيد من المعلومات إضغط الرابط http://www.wealth-of-nations.org/ar/ .مؤسسة طمسون رويترز ليست مسؤولة عن محتوى هذه المادة، ترجع هذه المسؤولية للمؤلف و الناشر.
شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)