بوتخيل.. حارس المياه في أقدم واحات المغرب

مع شروق شمس كل يوم يكون عبد الكريم بوتخيل قد فرغ من استعداداته لبدء الإشراف على عملية توزيع المياه في واحة فجيج جنوب شرقي المغرب.
بوتخيل واحد من فلاحين يجمعون بين العمل في حقول النخيل والإشراف على عملية تصريف وتقسيم المياه، ويُعرف هذا المزاوج بين العملين بـ”أصرايفي” في اللغة الأمازيغية المحلية.
ومنذ عقود لا يجد بوتخيل راحته سوى في التنقل بين موقع “إقوداس” وهو مكان التوزيع الرئيسي للمياه في الواحة، وقنوات جر المياه وصهاريج تجميعها والإشراف على سير عملية التوزيع بدقة متناهية.
لمئات السنين حافظ سكان فجيج، أقدم واحات المغرب، على نمط الري التقليدي، مما مكنهم من ضمان استمرار تدفق المياه من العيون المنتشرة، رغم كل التحديات ولا سيما تغير دورة المناخ.
** ري بالخروبة
بالنسبة لبوتخيل فإن الإشراف على توزيع المياه عملية دقيقة جدا تتوخى تحقيق أمرين، الأول ضمان العدالة بين الفلاحين، والثاني الحفاظ على الموارد المائية التي أدرك إنسان هذه البيئة منذ الوهلة الأولى أنها أغلى ما يملك.
وقبل الانشغال صباحا في عملية توزيع المياه يكون بتوخيل ليلا قد أنجز عملا مهما، وهو متابعة تدفق المياه عبر قنوات تمتد عشرات الأميال إلى الصهريج الذي يشترك الفلاحون في الاستفادة من خدماته.
ولا يحتّم الوضع على بوتخيل التواجد بشكل دائم أمام الصهريج لضمان السير العادي للتوزيع، فعمله الثاني كفلاح لا يسمح له بذلك أصلا.
وقال الرجل لمراسل الأناضول، إنه سواء كان موجودا أم لا، فإن الفلاح الذي يحين دوره لري نخيله يفتح القنوات في اتجاه حقله.
وأوضح أن لكل فلاح حصة حسب ما يملك من حقوق استغلال ويعبر عن هذه الحقوق بوحدة قياس فريدة تسمى “الخروبة” التي توازي حوالي 11 دقيقة من المياه المتدفقة من الصهريج.
وقبل أن يفسح الفلاح المجال للمياه كي تتدفق نحو حقله، عليه أن يقيس كمية المياه في الصهريج، ووحدة القياس هذه المرة عصا من جريد النخل يغرسها في مياه الصهريج حتى تبلغ قعره.
ويضع الفلاح علامة في المكان الذي بلغه سطح المياه على العصا، وبعدها يُفسح المجال لتدفق المياه في احترام تام لحصته.
ويشكو فلاحو واحات جنوب شرق المغرب من الجفاف وشح المياه، ولهذا يحرص الفلاحون في واحة فجيج على ضمان استمرار تدفق المياه.
هذا الحرص يتجلى في أن أصحاب الحصص الصغيرة من فئة ربع خروبة أو نصفها، يختارون جمع حصصهم لتبلغ مقدار خروبة أو أكثر، لري حقولهم معا حتى لا تضيع حصتهم الضئيلة بين ثنايا القنوات.
** عُرف صارم
وأكد بوتخيل أن ضمان توفر المياه والحفاظ عليها مهمة صارمة يحكمها العُرف المحلي، فالفلاح صادق وحريص على الاستفادة بحصته فقط و”أصرايفي” نبيه يقوم بمهامه كما ينبغي.
و”أصرايفي” هو عمود نظام الري في الواحة، لذا يخصه الفلاحون بأجرة من أغلى ما يملكون، وهو نصيب من المياه له أن يبيعه إلى أصحاب حصص صغيرة أو يضيفه إلى حصته ليزيد من ري محاصيله.
والوعي بالتحديات التي يطرحها تغير المناخ، دفع بوتخيل وزملاءه من المشرفين على توزيع المياه إلى العمل وفق شعار “لا إسراف في الماء حتى في زمن الوفرة”.
ويعتمد ري الواحة بالأساس على مياه باطنية متدفقة من عيون تتغذى من فرشتين مائيتين هما شوت تيكري وتاملالت، وتبلغ مساحة كل منهما نحو 1200 كيلومتر مربع، حسب معطيات المندوبية السامية للتخطيط (حكومية).
وبالرغم من توافر هذا المخزون المائي، إلا أن طريقة الري بالحصص فعالة وتضمن استمرار هذه الموارد المائية للأجيال القادمة.
وتوارث فلاحو واحة فجيج نظام الري التقليدي هذا أبا عن جد، مما ضمن استقرارهم واستمرارهم في الزراعة.
لكنهم قلقون بسبب ظهور مساحات زراعية، خاصة في الأطراف الغربية للواحة، حيث أدى الضخ من الفرشة المائية الثانية إلى موجة من الملوحة.

(الأناضول)

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)