التظاهرات الثقافية الرقمية.. تجارب ناجحة وغنية بوجدة وجهة الشرق

أثرت جائحة فيروس كورونا، التي لم يسلم منها أي بلد بالعالم، كثيرا على القطاع الثقافي ودفعت إلى تأجيل أو إلغاء العديد من المواعيد والتظاهرات الثقافية وإغلاق الفضاءات الفنية.

وجعلت الإجراءات الصحية المفروضة من السلطات العمومية للحد من تفشي جائحة كوفيد 19 من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، تنظيم الأحداث الثقافية والفنية حضوريا.

بالمغرب، وفي مواجهة هذه الظرفية الاستثنائية ولإرضاء رغبات الجمهور، لجأ بعض منظمي التظاهرات، وبشكل خاص تلك التي تدخل ضمن أجندة المواعيد الثقافية القارة والتي تتمتع بصيت يتجاوز الحدود، إلى البحث عن صيغة تتكيف مع الإكراهات الصحية عبر الاعتماد على العالم الرقمي.

بجهة الشرق، تم تأجيل العديد من الأحداث الثقافية المهمة، من قبيل المعرض المغاربي للكتاب “آداب مغاربية” والمهرجان الدولي للراي (وجدة)، بينما تم الاحتفاظ بتنظيم أحداث أخرى، لكن بطريقة مغايرة.

وهكذا، وفي احترام تام للإجراءات الحاجزية والتدابير الوقائية، مكنت الصيغة الجديدة أو الشكل الافتراضي منظمي التظاهرات من منح الجمهور إمكانية اكتشاف الفنانين والمحتوى عن بعد، دون حاجة إلى مغادرة المنازل.

وتم اعتبار هذه التجربة الجديدة، والأقل كلفة بالتأكيد، ناجحة وغنية، سواء من قبل المنظمين أو من قبل عدد كبير من هواة الفنون. ولعل النموذج الأبرز في هذا الصدد نجاح الدورة التاسعة من مهرجان الفيلم المغاربي بوجدة المنعقد بين 25 و 29 نونبر الماضي.

في كلمة تليت خلال حفل الاختتام، أشاد مدير المهرجان ورئيس جمعية “سيني مغرب” المنظمة للتظاهرة، خالد سلي، بنجاح هذا الموعد السينمائي المنظم لأول مرة على المنصات الرقمية بسبب التدابير الاحترازية للحد من جائحة كوفيد 19.

وأضاف أنه بفضل العرض المباشر على المنصات الرقمية لأنشطة المهرجان، سجل عدد المشاركين والجمهور ارتفاعا قويا خلال السنة الجارية، موضحا أن عدد المتابعين خلال الدورات السابقة كان في حدود بضعة آلاف، بينما تجاوز هذه السنة 1.5 مليون مشاهد تابعوا عروض الأفلام والأنشطة المبثوثة على الموقع الرسمي للمهرجان وحساباته بمواقع التواصل الاجتماعي.

واعتبر خالد سلي أن هذا النجاح دفع بالمهرجان إلى التفكير في الحفاظ، إلى جانب الأنشطة الحضورية، على البث الرقمي لفعالياته خلال الدورات المقبلة.

كما أكد المشاركون في ندوة افتراضية نظمت في إطار فعاليات المهرجان على أن الوضعية المرتبطة بكوفيد -19 أظهرت بجلاء القدرة على الإبداع والابتكار ومرونة الثقافة من خلال تنظيم تظاهرات ثقافية كبرى (حفلات موسيقية، مهرجانات…)، حيث يعوض الرقمي سحر الواقع.

الحدث الثقافي الكبير الآخر المنظم بالجهة يتمثل في الملتقى الدولي للتصوف، والتي جرت أشغاله عن بعد بين 29 أكتوبر و 5 نونبر بمداغ بإقليم بركان تحت شعار “التصوف وتدبير الأزمات : دور البعد الروحي والأخلاقي في الحكامة الناجعة”.

وشارك في دورة هذه السنة من الملتقى، المنظمة تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، من قبل الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بشراكة مع المركز الأورو- متوسطي لدراسة الإسلام اليوم، مجموعة من الباحثين والجامعيين والعلماء المغاربة والأجانب.

وكان مدير الملتقى العالمي للتصوف، منير القادري بودشيش، قد أكد خلال الحفل الختامي للملتقى، أن “الالتزام الحماسي للعلماء والباحثين القادمين من مشارب وتخصصات علمية متنوعة، بالإضافة إلى تفاني الفريق التقني للملتقى في العمل مكن من إنجاح هذه النسخة من الملتقى التي نظمت افتراضيا، بالرغم من صعوبة الظرفية”.

وأضاف أن النقاشات التي عرفها الملتقى أبرزت أن الثقافة الروحية والقيمية للتصوف شكلت “مصدرا رئيسيا لفهم الأزمات التي نواجهها حاليا، والتغلب عليها بطريقة إبداعية ومبتكرة، من خلال نشر القيم العالمية التي لا غنى عنها في مواجهة الأزمات”.

كما عرفت جهة الشرق، القوية بموروثها الثقافي والحضاري الغني وموقعها الجغرافي المنفتح على البحر الأبيض المتوسط شمالا وامتدادها المغاربي شرقا، تنظيم عدد من التظاهرات والأنشطة الثقافية بشكل رقمي.

ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى أن المديرية الجهوية للثقافة والشباب والرياضة بالشرق – قطاع الثقافة – سطرت طيلة شهر ماي الماضي برنامجا ثقافيا وفكريا وفنيا بعنوان “وجدة عبر الشرفات : الإبداع ينتصر” وذلك بهدف تشجيع الإبداع في زمن الحجر الصحي.

ويهتم هذا البرنامج، الذي تم في إطاره إعداد سلسلة من الكبسولات التي بثت على صفحتي المديرية الجهوية للثقافة والمعهد الجهوي للموسيقي والفن الكوريغرافي على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، بمجالات التراث والآثار والموسيقى والمسرح والقراءة والحماية والكتابة والفنون التشكيلية والرسم والخط العربي.

كما ضم البرنامج مسابقة تحت شعار “المقاومة الثقافية والفنية للأوبئة”، والتي خصصت للموسيقى والمسرح والأدب والفنون البصرية والخط العربي.

تظاهرتان سينمائيتان أخريان أغنيتا المشهد الثقافي بجهة الشرق خلال فترة الأزمة الصحية، ويتعلق الأمر بالمهرجان الدولي لسينما الذاكرة المشتركة الذي جرى بمدينة الناضور بين 14 و 19 دجنبر تحت شعار “المغرب وأمريكا اللاتينية : السينما والذاكرة زمن كورونا”.

وهدف المهرجان إلى إحداث فضاء للنقاش من خلال عرض الأفلام التي تناقش الذاكرة المشتركة وتساهم في معرفة أفضل للآخر في مناخ السلام والتسامح والإنصاف واحترام حقوق الانسان.

كما تتمثل التظاهرة الثانية في الدورة السادسة من المهرجان الدولي لفيلم الهواة بوجدة المنظمة بين 23 و 27 دجنبر والتي تنظمها جمعية “رسالة الفن للتنمية والإبداع” تحت شعار “سنة استثنائية، بإبداع استثنائي”.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)