حسن الفد يكتب : “الشراغيف”

سكن الحي، فجأة توقفت مولدات ضغط المطارق الهزازة، لم يعد الحفارون يعاكسون النسوة أو يقيلوا تحت الشرفات ببطونهم الحبلى بالفاصوليا.

فتحوا أخاديد عميقة في أحشاء زنقة “إكسيلسيور” و سطروا على جنباتها أكوام التراب الأحمر وأثثوها بقُنيطرات ضيقة من ألواح البناء ، ثم رحلوا… بدى الحي وكأنه في هدنة بعد غارة جوية.

تتابعت الأسابيع و إستوطنت الشراغيف قعر مياه الأمطار الراكدة.

لم تكن تضاريس الزقاق الجديدة لتثبط رغبة فتيحة في إنتعال كعبها العالي و لا أن تُفْتِر حماسها في الرُّفول بتنوراتها المنمقة ولا أن تزين بشرتها البيضاء بمساحيق النساء الأكابر.

لا شيء كان ينال من غنج فتيحة إطلاقا ، لا الكدح المضني بمعامل النسيج بالحي الصناعي ولا مناداة الفتيان لها -تنذرا- بأسماء النصرانيات ولا حتى ربو أبيها المزمن الذي هلل لسنين بنِيام الحي الصفيحي بسعاله الدُّهني في ليالي الشتاء اللا متناهية ، ليالي الكاريان كانت الأطول و الأعتم و الأشد صقيعا …

توقف المعطي عن السعال أواسط يناير ، ترجل وراء نعشه الأطفال و الفضوليون و الجانحون قبل أن يتطوع الحريزي ليقيلهم على متن شاحنة التفريغ الصفراء و يخطف صادق الأدعية من الميت . تسلق الجمع بإهتياج فارين من ضجرهم اليومي . هرعوا لقتل الوقت بجنازة رجل .

تحرك مُوَيْكِب المعطي دون مهابة، أشبه ما يكون برحلة المياومين في الميناء . حمولة من العضلات و الأسى ، عبد الصمد الخنتى و نومير الهزءة و ربيب الإسكافي و” ليوطنا” الهارب من الجندية و غيرهم ممن أخدت أجسادهم ألوان الحيطان، سحنات تائهة يخونها الجلل و يدهشها كل شيء لا يشبه الوحل.

(٠٠٠)

صارت الشراغيف ضفادع، ردمت الأخاديد، عُبِّد الزقاق و إرتدت فتيحة قميص سباحة من قطعتين، لتكون آخر فتاة تسبح ب”المايو” في شاطيء الحي قبل أن ينقطع الدلال و يخشوشن القوم و تصير النساء مجرد متفرجات على البحر ، مجرد شاهدات على الإستجمام .

كلمات دلالية
شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)