صفقة مطرح الأزبال تضع مجلس وجدة على صفيح ساخن 

محمد عزاوي

 

يبدو أن صفقة التدبير المفوض لمركز معالجة وتثمين النفايات المنزلية والمماثلة لها لجماعة وجدة، قد وضعت مجلس المدينة على صفيح ساخن من جديد، وانقسام حاد، بين رافض للمسار الذي أخذته طوال سنتين، والذي بدأ بالتمديد للشركة المفوض لها بتدبير هذا المرفق من جانب الرئيس السابق عمر حجيرة والرئيس الحالي محمد عزاوي، وانتهاء بارساء الصفقة من جديد ولمدة 15 سنة على نفس الشركة.

 

بعد أسابيع عدة من فتح أظرفة طلب العروض الدولي رقم 1CGD 2022 عرفت أخيرا الشركة التي ألت إليها الصفقة، لتتعاظم وتيرة الاتصالات بين الأعضاء الرافضين والمؤيدين، بين من يرى بأن المسار الذي أخذته منذ البداية لم يكن سليما، وخاصة التمديدات التي لم يكن لها أي مبرر على حد تعبيرهم، وبين من يرى بأن الصفقة يجب أن تتم وبالتالي المصادقة على الاتفاقية الخاصة بها.  

 

الأعضاء المدافعين عن المضي في التعاقد مع المفوض له، بما فيهم بعض نواب الرئيس محمد عزاوي، لا يقدمون مصوغات متينة لهذا التوجه، بل ويحشدون الدعم في الكواليس لتمرير الاتفاقية في الدورة الاستثنائية المزمع عقدها في غضون الأيام المقبلة، وعلى الأرجح في الـ15 من يونيو الجاري.

 

الواقع أن حجم الانقسام الذي خلفه هذا الملف داخل مجلس المدينة كبير، ويتوقع أن يطفوا على السطح بشكل واضح في الدورة المقبلة، ولعل من أبرز التجليات المتوقعة له، هو اصطفاف بعض نواب الرئيس إلى جانب المعارضين للاستمرار في الصفقة. ليس من باب الملاحظات التي يمكن إبداؤها على المسار، لكن من باب الكلفة المالية الباهضة للصفقة والتي تجاوزت 80 مليارا على مدار 15 سنة، بواقع أداء سنوي يفوق توقعات الجماعة في الميزانية التي تعاني أصلا من عجز مالي كبير يرتقب أن تعلن معه الجماعة إفلاسها ما لم تتدخل مصالح الداخلية كما عهدنا ذلك طوال العقد الماضي.

 

وحتى بخصوص ما تدخره الجماعة والمخصص لهذا الغرض والذي يساوي حوالي 10 مليارات، والدعم الذي يروج المسؤولين في الجماعة على إمكانية التحصل عليه من وزارة الداخلية، لن يغير كثيرا في الالتزام المالي.

 

ويبدو أن الانقسام قد دب حتى في بعض الفرق بعينها، فالأخبار التي استقاها الموقع من مصادر متعددة تشير إلى أن “الصفقة” وضعت فريق البام بالخصوص في حالة انقسام حادة، وقد يطفوا هذا الانقسام في الدورة المقبلة بشكل جلي، ما لم يتدخل عبد النبي بعوي المنسق الجهوي للحزب لوضع حد لذلك، فالرائج والمعروف وسط أعضاء البام، أن لا أحد فيهم يستطيع “عصيان” أوامر القيادة الجهوية.

 

موقع السلطة؟

 

في الواقع في ظل كل ما يقال في الكواليس ويروج حول هذه الصفقة، يتساءل العديد من المتابعين عن دور السلطة باعتبارها جهة تمارس الرقابة الإدارية على قرارات ومقررات الجماعة.

 

وفي الوقت الذي يرى البعض أنه من واجب السلطات التدخل في الأمر والتثبت من كل المعطيات الرائجة، تشير المعطيات التي حصل عليها الموقع إلى أن هناك مساع لدفع السلطات إلى إحالة هذه النقطة على المجلس لإدراجها وعقد دورة لها لتمرر بمنطق “السلطة طلبت”، كأن هذه الأطراف التي تسعى لذلك تريد “الضغط” على بعض الأعضاء بـ”السلطة”.

 

هذا الأمر يدفع العديد من المهتمين بالشأن العام المحلي إلى مطالبة وزير الداخلية شخصيا بالتدخل في هذا الملف، خاصة أن هذا المرفق سبق للمجلس الجهوي للحسابات أن أنجز فيه تقريرا أبرز العديد من الاختلالات والملاحظات التي وثقها منذ السنة الأولى لسريان العقد في 2004.

 

كما أن هذه المطالب تنطلق أيضا من كون أن الصفقة ضخمة وستؤثر بشكل كبير على ميزانية الجماعة، وبالتالي أي إختلال مالي ستتحمل في النهاية وزارة الداخلية وزره من منطلق التدخل لاستمرار المرفق العام.

مطرح النفايات بوجدة

ماذا فعلت الجماعة لضمان حقوقها؟

 

على غرار الملف المعروف في الأوساط المحلية الوجدية بملف “تبديد المال العام”، الذي يتابع فيه العديد من المنتخبين والمقاولين، والذي لم تنتصب فيه الجماعة كطرف مدني للمطالبة بالتعويضات الللازمة، يبدو أنها لم تقم بأي إجراء من أجل تنفيذ توصيات المجلس الجهوي للحسابات المتعلقة بمركز معالجة وتثمين النفايات المنزلية.

وفي هذا الإطار يتساءل العديد من المتابعين عن الاجراءت التي إتخذتها الجماعة، لمباشرة المسطرة اللازمة لاسترجاع المبالغ التي صرفت للمفوض له أو استفاد منها دون وجه حق، وعلى الخصوص تلك الناتجة عن سوء تطبيق مسطرة مراجعة الأثمان، وتطبيق أثمان أحادية غير منصوص عليها في الاتفاقية، وتحمل الجماعة لنفقات ملقاة على عاتق المفوض له بموجب اتفاقية التدبير المفوض”.

هذه التوصية التي وردت على الجماعة قبل عدة سنوات والتي تشير المعطيات المتوفرة أنها لم تعمل على تنفيذها، بل على العكس من ذلك يتم تجاوز وتخطي كل الملاحظات و إرساء الصفقة من جديد على نفس الجهة المفوض لها.

حتى تعلم كيف بدأ التدبير المفوض هنا

وكان المجلس الجهوي للحسابات في تقرير سابق قد استعرض في البداية ما يشبه كرونولوجيا لهذا الملف، حيث أورد أن جماعة وجدة قد أسندت لشركة CSD-CRB SARL التدبير المفوض لبناء وتجهيز واستغلال مركز معالجة وتثمين النفايات الصلبة لمدينة وجدة، وذلك بموجب اتفاقية مبرمة بعد مسطرة طلب عروض دولي بالانتقاء المسبق بتاريخ 22 يوليوز 2003.

 

ويتضمن المشروع شقين: الأول بناء وتجهيز مركز معالجة وتثمين النفايات الصلبة لمدينة وجدة والثاني استغلال هذا المركز لمدة 15 سنة في إطار عقد للتدبير المفوض.

 

ويعتبر مركز معالجة النفايات من أهم مكونات المشروع، وتم بناؤه على مرحلتين فوق وعاء عقاري مسيج مساحته 40 هكتار. ففي مرحلة أولى تم إنجاز أشغال تمهيدية ما بين 2 غشت 2004 و17 أكتوبر 2005، وفي مرحلة ثانية استمر بناء المركز موازاة مع استغلاله، بحيث أن كل خلية ملئت بالنفايات يتم تجهيزها بآبار لاستخراج الغاز الناتج عن تحلل النفايات عبر امتصاصه وتوجيهه إلى معمل التحويل الطاقي.

 

ويشكل معمل التحويل الطاقي المكون الثاني للمشروع، وقد أنجز فوق نفس الوعاء العقاري لمركز المعالجة، ويشتغل بواسطة الغاز المستخرج من خلايا طمر النفايات. وقد توقع المشروع فيما يخص هذا المعمل إنجاز ثلاثة وحدات تتكون كل واحدة منها من محرك يعمل بالغاز ومحول، وحددت الطاقة القصوى للمعمل في 3,6 ميكاواط، أما الطاقة الكهربائية المتوقع إنتاجها منه فسيتم بيعها للمكتب الوطني للكهرباء وتحويلها إلى الشبكة المحلية ذات جهد 22 كيلوڤولط. 

 

وأضاف المصدر نفسه أنه تم اختيار المفوض له بعد مسطرة طلب العروض الدولي بالانتقاء المسبق بتاريخ 22 يوليوز 2003، حيث إن مرحلة الانتقاء المسبق التي أجريت بتاريخ 4 غشت 2003 أسفرت عن تحديد أربعة مرشحين مقبولين للمشاركة وتمت دعوتهم لتقديم عروضهم، ومن بين هؤلاء المرشحين التجمع المكون من الشركة السويسرية « CSD « والشركة المغربية « CRB&D»، على أن الشركة الأولى هي المعينة وكيلا عن التجمع.

 

وزاد بالقول أنه وبعد تلقي عروض المتعهدين وفحصها ودراستها من طرف لجنة تقنية معينة لهذا الغرض، اقترحت هذه الأخيرة على لجنة طلب العروض اختيار عرض جديد تم التوصل إليه بعد مفاوضات أجرتها هذه اللجنة التقنية مع التجمعCSD / CRB&D وتقديم تنازلات له بغية تقديم هذا العرض.

 

وفي نهاية المطاف، أبرمت الجماعة الحضرية وجدة اتفاقية التدبير المفوض مع شركة « CRB-CSD» وهي شركة ذات مسؤولية محدودة تخضع للقانون الخاص المغربي تم إنشاؤها من طرف الشركتين المكونتين للتجمع صاحب العرض الجديد. وتمت المصادقة على هذه الاتفاقية من طرف وزير الداخلية بتاريخ 15 يوليوز 2004 وتم تبليغ الأمر بالشروع في تنفيذها بتاريخ 2 غشت 2004.

 

إلا أنه ومع نهاية سنة 2004, وقع خلاف بين الشركتين «CSD» و»CRB&D» حول تحديد مسؤولية كل طرف، ولم يتم وضع حد لهذا النزاع إلا خلال شهر شتنبر 2005, وذلك بانسحاب شبه كلي للشركة السويسرية من رأسمال ومن تسيير الشركة المفوض لها « CRB-CSD». ورغم ذلك، استمرت الجماعة الحضرية في التعامل مع الشركة المفوض لها وتم تبليغها موافقة الجماعة على مواصلة التدبير المفوض.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)