مغاربة دفنتهم الجزائر وراء الشمس..هل تعرفون من هم؟

عبد المجيد أمياي 

عندما قادت السلطات الجزائرية عملية الترحيل التعسفي في حق مئات الألاف من المغاربة القاطنين على أراضيها (حوالي 350 ألف)، لم تكن تسعى الجارة الشرقية لتنفيذ عملية طرد وكفى، بل كانت أجهزتها الامنية، تتوخى بكل الطرق حفر صورة في ذهنية المغربي المطرود تذكره دائما بهذه القسوة المفرطة.

مشاهد شحن المغاربة إلى النقاط الحدودية، وإجبارهم على عبور الحدود، لم تكن في الحقيقة سوى تلك الحلقة البادية للعيان من جحيم كبير كانت تمارسه السلطات الجزائرية، ولعل من الصور الخفية للقساوة الجزائرية تلك الإجراءات والإعتقالات التي شنت في صفوف المغاربة، الذين لاقوا في النهاية مصير الاختفاء القسري.

دم في الزنزانة!

“لدي إحسان بأن أبي قتل، بل أنا متأكدة من قتله في سجن سيدي بلعباس” تقول مليكة الزاوي، إحدى ضاحيا الترحيل التعسفي من الجزائر، وإبنة رجل شاء الأمن الجزائري أن يكون ضمن قائمة المختفين قسرا.

مليكة التي تسرد قصة الترحيل وإختفاء والدها كأنها وقعت أمس، تؤكد بأن أخر مرة رأت فيها والدها كان في محكمة بلعباس “والدي كان يحاكم قبل طردنا بثلاثة أشهر، كان متابع بملفات ملفقة، ذات يوم قصدنا السجن لزيارته فأخبرونا هناك، بأنه نقل إلى المحكمة، وفعلا شاهدناه هناك، و منذ ذلك الحين لم نراه” تضيف مليكة.

السيدة مليكة التي كان عمرها انذلك 14 سنة، تعود قليلا إلى الذاكرة، وتنقل لـ”أخبار اليوم” هذا المشهد: “البداية كانت بتسجيل المغاربة القاطنين في الجزائر، لم نكن ندرك أن السلطات الجزائرية كانت تحظر حينها لهذا الترحيل، لكن هذا ما وقع، حيث نقلتنا السلطات الأمنية الجزائرية إلى عين تمشنت وهناك مكثنا أسبوعا كاملا قبل أن نرحل إلى الحدود”.

عادت مليكة، رفقة باقي افراد عائلتها، وتركت والدها يقاسي وضع الزنزانة، بعدها بسنة جاءهم رجل مغربي أفرج عنه من السجن الذي سجن فيه والد مليكة، ونقل اليهم رسالة ستدرك العائلة بعدها بأن هناك احتمال كبير بأن رب الأسرة قد صفي جسديا داخل الزنزانة، لقد قال لهم وفق ما أكدته مليكة، أن والدهم عمر ولد ميمون، وهذا هو اسمه، قد طلب منه تبليغهم رسالة مفادها أن السلطات الجزائرية قامت بتعذيبه بشكل فضيع في السجن، وأنه يتوقع الموت!

بعد ذلك، حاولت شقيقة مليكة التي تقطن في الجزائر، جاهدة أن تصل إلى والدها، وهي بالمناسبة بقيت في الجزائر لأنها تزوجت من مغربي يحمل الجنسية الجزائرية أيضا، لكن السلطات الجزائرية وفق المتحدثة نفسها، أعلمتها بأنها تعرّض نفسها لإجراءات لن تكون في صالحها في حالة إن استمرت في السؤال عن مصير والدها، حينها تأكد أكثر بأن الوالد قد صفته السلطات الجزائرية، ولكن لا أحد يعرف أين دفن، فأضيف إلى لائحة المختفين من الأحياء والأموات!

البوليس لم يرحم أختي التوأم!

لم يكن الاختفاء القسري، مصير البالغين والراشدين من المغاربة فقط، بل حتى الأطفال كان لهم نصيب من ذلك، هنا يستعيد لحسن خلوق، أحد ضحايا الترحيل، قصة شقيقته التوأم، حسناء، وبكثير من الحرقة والألم وعينان تذرفان الدموع، يصف كيف تقدم نحوهم رجال الشرطة وأخذوا منهم حسناء التي أرادت الانتصار لكرامة مغربية من ذوي الاحتياجات الخاصة كانت ضمن المرحلين!

“بعدما جمعتنا السلطات الجزائرية، في الجزائر العاصمة، وبالتحديد بعد استدعئانا إلى الدائرة السادسة للأمن، نقلنا ليلا إلى الحدود، حيث وصلنا في تمام الساعة الحادية عشرة من صباح اليوم الموالي، وقبل ذلك وفي الطريق طلب منا عنصر من عناصر الأمن الاربعة الذين رافقونا في رحلة الترحيل على متن الحافلات التابعة للدولة الجزائرية، ـ طلب ـ منا وبلغة تحمل الكثير من التودد أن نقايضه ما لدينا من عملة جزائرية بالعملة المغربية، حتى لا تسلب منا عند حاجز الجمارك” يضيف نفس المتحدث في تصريح لـ”أخبار اليوم” قبل أن يضيف: “لازلت أتذكر العديد من المواطنين المغاربة الذين كانوا على متن تلك الحافلة وثقوا في هذا الشرطي، ومن بين من وثق فيه، سيدة من ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث نزعت قدمها الاصطناعية وسحبت منها مبلغا من المال، وسلمته للشرطي المعني وانتظرت أن يمدها بما يعادله بالدرهم المغربي، لكن طال بها الانتظار”.

بعد وصول الحافلة إلى الشريط الحدودي، نزل الركاب وهم مذهولين من عدد المغاربة الذين رحلتهم السلطات الجزائرية، لكن حسناء توأم لحسن، لم يمنعها ذهولها من تذكير السيدة من ذوي الاحتياجات الخاصة، أن على الشرطي الجزائري أن يسلمها مقابل ما أعطته، ولما رفض الشرطي وانكشفت حيلته، دخلت حسناء وفق تصريحات لحسن في مشادات كلامية مع الشرطة الجزائرية رغم صغر سنها، وهو الأمر الذي دفع بهم إلى اختطافها من بين العائلة والتوجه بها إلى وجهة غير معلومة إلى يوم الناس هذا!

“مكثنا في الشريط الحدودي، أسبوعا كاملا، أملا في الافراج عنها، وعودتها إلى أهلها، لكن الأسبوع طال وسار اليوم 41 سنة” يضيف لحسن، الذي يؤكد بأنه حاول البحث عن شقيقته في الجزائر، حيث عاد ذات مرة بطريقة غير شرعية، عن طريق اختراق الحدود بمساعدة المهربين، لكن لم يتمكن من تحديد مكانها ومعرفة مصيرها، ورغم أنه وجه مراسلات، وأجرى اتصالات مع المصالح المغربية المختصة، إلا أنه لم يتمكن على حد تعبيره من التوصل إلى مكان شقيقته!

اللائحة طويلة

لائحة المختفين قسرا في الجزائر، وفق بعض ضحايا الترحيل، طويلة، و حقا يجهل عددهم، لكن أبدا لم يكونوا حالات معزولة، فقصة حسناء أو عمر ولد ميمون، أو حتى فاطمة حميش، التي تفيد المعطيات التي حصلت عليها “أخبار اليوم” أنها إختفت قسرا في الجزائر، وسنها لم يتجاوز 7 أو 8 سنوات، بعد طرد والديها من هناك، هي في الحقيقة قصص تختزل وجه أخر من أوجه الحقد الذي مورس بالموازاة مع عملية الترحيل!

تدويل القضية

بعد أكثر من 40 سنة، يبدو أن ملف إختفاء المغاربة في الجزائر يجد طريقه، إلى الهيئات الدولية، حيث تمكنت “جمعية الدفاع عن المغاربة ضحايا الترحيل التعسفي من الجزائر”، من وضع أولى الخطوات في هذا المسار، من خلال عرض بعض الحالات على الفريق العامل الخاص بالاختفاء القسري التابع لمجلس حقوق الانسان بالأمم المتحدة بجنيف.

وتسلم الفريق، الأسبوع الماضي ملفات بعض المختفين من الجمعية التي زارت جنيف لهذا الغرض، في انتظار أن يتسلم الفريق المذكور من الجمعية المعنية، دفعة أخرى تستجيب للشروط والضوابط التي يضعها الفريق ليتمكن من تتبعها.

الجزائر في قلب العاصفة

يبدو أن السلطات الجزائرية، قد تفطنت إلى أن تدويل قضية المغاربة المختفين قسرا في الجزائر، سيكون له الأثر الكبير على صورتها أمام المنتظم الدولي، لذلك دفعت بسفيرها لدى الأمم المتحدة بجنيف، بوجمعة دليمي، شخصيا، إلى التواجد يوم عرض حالات الاختفاء القسري على الفريق العامل، في أروقة مجلس حقوق الانسان، بل حاول وفق المعطيات التي حصلت عليها “أخبار اليوم”، نسف ندوة كان موضوعها هو الاختفاء القسري، من خلال تسخير عدد من عناصر المخابرات وعناصر “البوليزاريو”، لكن لم ينجح في ذلك.

محمد الهرواشي×: لدينا أدلة تدين السلطات الجزائرية

1ـ في نظركم، هل حالات الاختفاء القسري في الجزائر حالات محدودة، أم أن الأمر يتعلق بعدد كبير؟

لابد من التأكيد أولا، بأن هناك حالات قتلت في السجون، بعد أن مورست عليها كل أشكال التعذيب، وأن حالات أخرى نقلتها السلطات الجزائرية قسرا إلى تندوف خاصة المغاربة الذين كانوا من ذوي البشرة السوداء!

وهناك حالات كثيرة، زج بها في الزنازين، جراء الحقد الذي كانت السلطات الجزائرية تكنه للمغاربة، فالأمر لم يكن يتعلق بترحيل وفقط، وإنما معاملة قاسية مورست في حق المغاربة، إلى درجة أن الزنازين كانت تغرق بالماء لمنع المغاربة المعتقلين من النوم وحتى الجلوس، وعموما أقول بأن الحالات المعنية كثيرة.

2ـ في الأسبوع الماضي تمكنتم من لقاء الفريق العامل على الاختفاء القسري التابع لمجلس حقوق الانسان بجنيف، ماذا قدمتم له؟

في الحقيقة لقاء الفريق العامل على حالات الاختفاء القسري، هي خطوة أولى ستليها خطوات أخرى، حيث سلمنا للفريق بعض الملفات المتعلقة بمختفين قسرا، وتضمنت الملفات معطيات حول المختفين، في انتظار تسليمه حالات أخرى، وأيضا إجراء لقاء مع عائلات المختفين.

3ـ كيف يمكن للفريق أن يساعدكم؟

يجب أن نعلم أولا بأن الجزائر من المرتقب أن تقدم تقريرها المتعلق بحقوق الانسان أمام مجلس حقوق الانسان السنة المقبلة، وبالتالي فان الفريق بالتأكيد سيوجه أسلئة متعلقة باختفاء المغاربة في الجزائر، ثم ثانيا الجزائر ستكون مطالبة أمام المنتظم الدولي بتقديم إجابات حول الجرائم التي ارتكبتها، في حق المختفين، وأنتم تعرفون أنه في إحدى دورات المجلس السابقة طلب منها الإجابة عن حقوق المغاربة المرحلين من الجزائر التي أنتهكت، ولم تتمكن من تقديم جواب مقنع لأحد.

4ـ ماذا يعني في رأيكم أن يحضر السفير الجزائري لدى الأمم المتحدة، إلى أروقة مجلس حقوق الانسان بجنيف للدفاع عن اطروحة بلده، في الندوة التي نظمتموها حول الاختفاء القسري، وبالتزامن مع لقاء الفريق العامل في مجال الاختفاء القسري؟

هذا دليل، على أن الجمعية أولا أصبحت تقلق السلطات الجزائرية بتحركاتها، ثم ثانيا هي منزعجة بشدة لكون أن الملف المطروح هو ملف حقوقي وتتوفر فيه الأدلة التي تدين السلطات الجزائرية، فهي بالتالي أصبحت محاصرة من الناحية الاخلاقية والقانونية.

5ـ ما هو الدور الذي يجب أن يلعبه المغرب؟

يجب على المغرب أن يدعمنا، من خلال المنح التي تمنحها بعض المؤسسات والوزارات لنتمكن، من أداء مهامنا، يكفي أن أقول لك بأننا أثناء تواجدنا في جنيف، كنا نضطر إلى المبيت في فرنسا لوجود بعض البيوت التي يمكن استئجارها بأثمنة مناسبة، وكنا نقتصد حتى في المأكل، كل هذا لنستمر في أداء مهمتنا.

محمد الهرواشي هو  رئيس جمعية الدفاع عن المغاربة ضحايا الترحيل التعسفي من الجزائر

 

هذا الروبورطاج نشر على صفحات جريدة أخبار اليوم سنة 2016 وبالنظر أن المغاربة ضحايا الترحيل التعسفي من الجزائر يعيشون هذه الأيام الذكرى ٤٤ لعملية الترحيل تعيد شمس بوست نشره.

 

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)