المغرب والجزائر: الجوار المأزوم

 

كان الزعيم الألماني بسمارك (موحد ألمانيا) يقول إن الجغرافيا هي العنصر الثابت في السياسة. بمعنى أنها علاقة تأثير وتأثر بين الجغرافيا والسياسة بصفة عامة. والإقليم الجغرافي ثابت بدوام ثبات العناصر الطبيعية، فيما تتغير بالضرورة سائر العوامل الاخرى، بما في ذلك عوامل السياسة والاستراتيجية والثقافة والتاريخ ، وكل ما يرتبط باجتهادات البشر من نتائج. 

وهذه الحقيقة تعني انه اذا كان من الممكن تغيير باقي المعطيات، كالمعطى التاريخي مثلا فإنه يستحيل تعديل بالمعطى الجغرافي الذي يفرض على الدولة أوضاعا معينة، من بينها ان السكان كعنصر من عناصر القوة المادية للدولة لا يمكن ان يختاروا جيرانهم, بل ان الجغرافيا هي التي تحدد ذلك وتفرضه فليس بالإمكان تغيير موقع الدولة الجغرافي بسبب سوء الجوار. 

ويؤكد هذا المعطى الأكاديمي الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله في كتابه ذاكرة ملكا الصادر عن الشركة السعودية للأبحاث والنشر 1993، (ص 83): (ليس بإمكاني تغيير موقع كل من المغرب والجزائر ويجب ان يتذكر المغاربة والجزائريون دائما انهم لن يقدروا على تغيير موقع بلديهما. والعنصر الجغرافي قد يكون عامل توتر وعدم استقرار (الأزمات السياسية الموجودة على خطوط التماس الجغرافي: حالة كشمير-البلقان سابقا ) وقد يكون عامل تكامل وانسجام بين الشعوب (الاندماج والتكامل مع دول الاتحاد الأوربي، من ناحية أخرى فإن التباعد الجغرافي يحول دون خلق مشاكل مباشرة في وضعية طرف آخر (محاولة بعض الأنظمة البعيدة جغرافيا التأثير في التوجه السياسي للمغرب).

فالجزائر ظلت وباستمرار تعاكس مسيرة استكمال المغرب لوحدته الترابية وتتربص به الدوائر وتكيد له المكائد والقلاقل وزعزعة الاستقرار الداخلي الذي تنعم به المملكة.

وتاريخ  للجزائر في تعاملها مع المغرب لم ينمح بعد انطلاقا من حرب الرمال إلى تبني المعارضين ضد النظام المغربي وتسليحهم وإرسالهم عبر الحدود بين البلدين إلى تجنيد مرتزقة البوليساريو ودفعهم إلى معركة خاسرة في أقاليمه المسترجعة إلى الانتقام من الجالية المغربية المقيمة بالجزائر وطردها من التراب الجزائري ومصادرة أملاكها والهجوم على فندق “ايسني بمراكش الذي انتهى بإغلاق الحدود بين البلدين والوقوف ضد المغرب في أزمة جزيرة ليلي واستمرار معاكسة الوحدة الترابية للمغرب في المحافل الدولية وشراء ذمم الموظفين الدوليين، و قطع العلاقات الدبلوماسية والغاز عن المغرب والتورط الواضح للرجل المريض في حادثة الشاحنتين.

ودأب النظام الجزائري على استغلال ورقة الصحراء المغربية في التنفيس عن الاحتقانات السياسية والاقتصادية الداخلية، فالمغرب بالنسبة إلى الجزائر عدو احتياطي لتصريف الأزمة الداخلية التي تستفحل حاليا في ظل تزايد الاحتجاجات الشعبية ضد الطغمة الفاسدة والانتفاضات المتوالية لمنطقة القبائل.

وتؤكد متابعة السلوكات الجزائرية على الصعيد الدبلوماسي، أن تغييرا جوهريا في السياسة الجزائرية إزاء المغرب عموما وبشأن قضية الصحراء على وجه الخصوص لا يزال بعيدا عن إمكانية التحقق العملي ففي مختلف التظاهرات والتجمعات الإقليمية والدولية، كان الهاجس الأساسي للدبلوماسية الجزائرية هو إضعاف الحضور المغربي في مختلف المحافل والمؤتمرات الدولية، وقطع جسور تواصله مع المحيط الخارجي، والتحقير من مبادرة الحكم الذاتي للصحراء المغربية وعزل المغرب عن المجتمع الدولي.

واذا كان قدرنا أن نوجد في هذا الجوار المأزوم، فإنه من التبصر التعامل بحذر وعدم الانجرار إلى سلوكات متهورة للطغمة الحاكمة في الجزائر والحرص على التعايش بسلام قدر الإمكان مع الجيران ونهج الطرق السليمة لحل الخلافات معهم.

إن اعتماد الاعتدال والمثالية في القضايا الخارجية للبلاد لايقصي الواقعية بل هما متكاملان، فالمغرب اختار منذ حصوله على الاستقلال أسلوب الحوار والاقناع لسياسته الخارجية، وفي حل جميع القضايا الاقليمية بأسلوب التفاوض وبقدر الإمكان، بدل اتباع المواجهة والعنف وسياسة الاحلاف وغيرها..

فالواقعية المغربية تتفادى إذلال الجار وإخضاعه كما فعلت ألمانيا مع فرنسا على حساب بناء الدولة الالمانية الفتية القوية. لكن ذلك لايعني التضحية أو المساس بالمصالح العليا للبلاد التي تعد خطوطا حمراء للأمة المغربية.

 إن التأكيد الملكي في خطاب الذكرى 46 للمسيرة الخضراء على أن  مغربية الصحراء  أمر لا نقاش فيه ولا تفاوض عليه  وهي رسائل موجهة لمن يهمه الأمر، كما أن المغرب يفضل  حلا سلميا لهذا النزاع المفتعل، وكل هذا يبين بالملموس التوجه السلمي لحل القضية عبر آلية الحوار والتفاوض اللذان اختارهما المغرب في سياسته الخارجية.

د.محمد بوبوش: أستاذ العلاقات الدولية-جامعة محمد الأول بوجدة

كلمات دلالية
شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)