سؤال الدين والعنف

لطالما شغلني سؤال حقيقة العلاقة بين الأديان والعنف خاصة أنه لا ينفصل عادة عن سؤال آخر أكثر صعوبة: هل الصراع القائم في العالم اليوم هو صراع عقيدة؟

إذا هل تغذي الأديان حقا العنف؟ وهل نحن بصدد الحديث عن الأديان في جوهرها أو أنها التفسيرات والتأويلات المتباينة للنصوص الدينية؟ هل يتعمد البعض المغالطة والجنوح عن المعنى الحقيقي وتعميم بعض الحالات ذات الأحكام الخاصة لربط ممارسة العنف بالدافع الديني؟ ولم قد تبادر مجموعة من الناس لاعتماد ونشر تفاسير خاطئة أو مبالغ فيها وغير دقيقة للدين؟ وهل يتم ذلك بنوايا مبيتة أو أن مرده لقصور الفهم أو الحماسة الزائدة فقط؟ ولمصلحة من يتم ذلك كله ولأي هدف؟

ظل الدين على امتداد العصور يستعمل مطية لشتى الأغراض حتى الأكثر دناءة منها، ولعل أهمها الدوافع السياسية المرتبطة أساسا بالاستيلاء على بالسلطة والثروة، ثم بالموازاة مع ذلك التغطية على الفساد وحث الناس على الطاعة والخضوع. ولأن هذه الطموحات ليست دائما مشروعة فإن تحقيقها ارتبط بالوسائل الأكثر تطرفا، في هذه الحالة فإن استعمال الدين يكون عن طريق تحريف المعنى بما يخدم هذه المصالح ويبرر تلك الغايات. فيصبح الأمر كالتالي: تبرير العنف الحاصل أثناء رحلة السيطرة وإثبات التفوق باعتماد تفسيرات خاصة لنصوص الدين.

إذا فالأمر لا يعدو كونه اختباء خلف الدين لتغطية النوايا الحقيقة، أو ما يعبر عنه الباحث الألماني يان أسمان المهتم بدراسة التاريخ والآثار بالطموح الإنساني حيث يقول أن: “العنف هو وليد طموحات إنسانية، وليس متأصلا في الدين، رغم تسجيل ظهور تيارات متطرفة في تاريخ الأديان السماوية الثلاثة “. ويدخل في هذا الطموح حسب أسمان الطمع والتعطش للدماء والرغبة في الانتقام وحب التسلط والسيطرة وحتى الرغبة في تغذية النزعة القومية، ويبرر بكونه عنفا باسم الله وبمباركة النصوص للمواربة.

لابد أن الجزء الأكبر من هذه التفسيرات المجانبة لروح النصوص ولأهدافها السامية لا يحدث عن حسن نية وسلامة قصد، إنما يتم اللجوء لاستعمال الدين لما يملكه من سلطة اعتبارية على الأفراد لا تخضع في كثير من الأحيان للنقاش ولا يمكن استقبالها بالرفض خوفا من الجزاءات التي تترتب على المخالفة من جهة، وطمعا في العطاءات الناتجة عن الالتزام والانصياع من جهة أخرى، خاصة أن الدين مؤثر قياسي بسبب الخطاب الجذاب والمغري الذي يعتمده بما يتضمنه من وعود غيبية، ووجود قابلية لدى المتدينين لكل ما يقدم لهم باعتباره تفسيرا وتأويلا للنص دونما عرض على مقياس العقل أو النقد أو حتى البحث والتثبت، فالنص الديني بشكله العمودي يقتضي السمع والطاعة، مع التركيز على أننا هنا بصدد الحديث عن تأويلات وتفسيرات النصوص لا عن معانيها الحقيقية ورحها. يقول البروفيسور في اللاهوت المسيحي جورج عوض: “الكتب لا تقتل، القرّاء يفعلون ذلك”.

إذا فالتفسير خارج الإطار الذي تفرضه سياقات مرتبطة حصرا بإطار زمكاني محدد ينبني عليه حكم خاص أو استثنائي يجنح بالنص بعيدا ويجعله أداة فعالة سواء في الدعوة للعنف والكراهية والتحريض باسم الدين، أو في محاكمة الدين وتحميله مسؤولية وتبعات كل الجرائم التي تحدث. وقد تُبنى على نفس المنطق المواجهات بين أبناء دينين مختلفين يدعي كل منهما أن الأخر إنما هو أصل الشرور ووقودها والمحرض عليها.

وفي الحقيقة هذه الدائرة تتعدى الأديان السماوية إلى غيرها.. مثال ذلك نجده في تصريح الدالاي لاما، الزعيم الروحي للتبت عندما استنكر هجمات الرهبان البوذيين على المسلمين في ميانمار قائلا إن القتل باسم الدين شيء لا يمكن قبوله، وإن السبب الأساس للصراع في ميانمار الذي يتخذ مظهرا طائفيا، هو سياسي وليس روحيا.

في مرحلة متقدمة تتعدى الحشد والتنظير يتحول الأمر لما يشبه منظمات قائمة الذات تنفذ جرائم الكراهية تحت مبررات دينية، كما يمكن كذلك أن يذهب الحماس لهذه الأفكار بالأفراد لارتكاب أفعال شبيهة لكن بشكل منفرد (جرائم فردية).

المعضلة الأكثر سوء هي اعتبار كل جريمة كراهية موجهة ضد أتباع دين معين استهدفا للدين نفسه، مما يدفع أتباعه دون إعمال عقل إلى تبني سلوك دفاعي يقوم على رد العنف بالعنف مما يوفر حطب جديدا للمحرقة، والمزيد من الحجج القائمة على الباطل لتعزيز فكرة ارتباط الدين بالعنف بالتالي الغرق في مستنقع العنف والعنف المضاد. هكذا يصبح التجييش للكراهية سهلا حيث لا حاجة ساعتها لاستغلال المزيد من النصوص الدينية وتفريغ معانيها ولي أعناقها بما يخدم المصالح، لكن تكفي الإشارة للحادث الفلاني فيصبح الرد جاهزا.. إنه السباق نحو الفناء.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 1 )
  1. عبد الرحيم الفيلالي :

    أصبت استاذة فاطمة الزهراء جوهر الموضوع اذ ان الاديان لم تكن يوما تدعوا الا العنف بل الاطماع والمصالح هي سبب تولد هذا العنف مثل تحكم الكنائس في اوربا في العصور الماضية وذلك من خلال استغلال النفوذ واضطهاد العلم واكل اموال الناس بالباطل و كذلك في العصر النبوي الشريف ما كانت عداوة قريش وغيرها الا من اجل الحفاظ علي الزعامة والسيادة القبلية والمصالح واستعباد الناس وفي العصر الحديث اخذت اشكال اخرى كرعاية الجماعات الارهابية من اجل تشويه الدين و القضاء على اقتصاد بعض الدول و استغلال ثرواتها مثل العراق وسوريا وليبيا… ولم يكن الدين يوما داعيا للعنف بل بالعكس تدعوا الاديان الا قيم الرحمة والتعايش والتسامح….

    0

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)