بدر المقري يكتب: العربي باطما.. فلسطيني بامتياز

العربي باطما (1948-1997): فلسطيني بامتياز.

– حاشية على كتاب (يا صاح..أسئلة الكتابة عند العربي باطما).

بدر المقري*

1- ميثاق السيرة الذاتية المركبة:
– المحطة الأولى: لقي المؤلف الفنان العربي باطما أول مرة بمدينة وجدة في أواخر أكتوبر سنة 1977، وعمره لم يتجاوز 15 سنة. وقد أخبره في هذا اللقاء بأنه صاحب المقالة التي نشرت في جريدة (المحرر) المغربية في يناير 1977، حول قصائد جديدة لمجموعة ناس الغيوان(الشمس الطالعة-أهل الحال-نرجاك أنا).
– المحطة الثانية: لقي المؤلف الفنان العربي باطما ثاني مرة، في أبريل 1978، في بهو الاستراحة بمطار وجدة-أنكاد، بعد توقف تقني للطائرة القادمة من باريس والمتوجهة إلى الدار البيضاء.
كان العربي باطما بمعية أحمد السنوسي (بزيز)، ومحمد الحياني رحمه الله . و قد أثار بين يدي العربي باطما قضية الالتزام في قصيدة (الشمس الطالعة)، من خلال هذه الأبيات التي خصها ناس الغيوان بمدح الصمود الأسطوري للمخيم الفلسطيني (تل الزعتر) في ضاحية بيروت الشرقية (يونيو- يوليوز- غشت 1976):
⦁ لله يا تل الزعتر..
واشْ مَنْ والى يتْوالىَ..
غير ضربو ولا هربو..
اللي يْهَرًسْ هاد لَكْرَارَسْ..
اللي بْغا الجنة يتدنى..
اللي بغا ولادو يَتْسُوخَرْ..
وعامكْ يا مَاريكانْ..
كان مُوسمْ ولى قطران.
ابتسم العربي باطما، وعلق على تنويه المؤلف بقوله: ” إن الإشارة إلى (تل الزعتر)، من أخلاقيات (أغنية الشعب) عند الغيوان، ولكن الالتزام لا يعني بتاتا تحول الفن إلى منشور سياسي. فجمال قصائد أخرى في وصف الطبيعة مثلا، لا يقل عن جمال قصيدة (الشمس الطالعة) “.
– المحطة الثالثة: جالس المؤلف الفنان العربي باطما ساعات طوالا في منزل والديه بديور السعادة في الحي المحمدي بالدار البيضاء، في أحد من آحاد أواخر دجنبر 1980. وقد أفاده، وهما يجلسان القرفصاء، على ضوء خافت، عندما ساءله في موضوع الإبداع، أن الإبداع الحقيقي رجع لصدى الفطرة.
– المحطة الرابعة: التقى المؤلف الفنان العربي باطما في أواخر يناير 1981 بالدار البيضاء. و قد تمحور لقاؤهما حول الحلم الفلسطيني الذي وقر في قلبه. و توسعا في ذكر الأثر البالغ لمساهمة ناس الغيوان الرمزية في المهرجان التضامني الذي نظمته الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني بمسرح محمد الخامس بالرباط في أواخر أكتوبر 1976، تضامنا مع شهداء مجزرة مخيم (تل الزعتر). و قد قال له العربي باطما حينذاك جملة ظلت راسخة في ذهنه:
»سمع آخويا….فلسطين في دمي….فلسطين هي حياتي«.
و قد أنشده مما أنشده، المطلع الزجلي الآتي:
عتقوها أمي فلسطين لا تدوزوها…
دركوها جنة الخلد لا تفوتوها…
حبوها كيف الحياة كاملة جعلوها…
⦁ المحطة الخامسة : أنجز المؤلف حوارا مطولا مع الفنان العربي باطما، يوم 17 شتنبر 1982. وقد نشر هذا الحوار في جريدة (أنوال) التي كانت تصدر بالرباط، يوم الخميس 14 أكتوبر 1982.
وقد جمع الفنان العربي باطما في هذا الحوار فأوعى، في كل الأسئلة التي كانت تثير المؤلف حول تجربة الكتابة عنده، وحول القصيدة الغيوانية، و حول فلسطين و حصار بيروت.
إن جوهر أسئلة الكتابة عند الفنان العربي باطما، هو عبقرية الزمان وعبقرية المكان .
و من العلامات الدالة في العبقريتين معا:
– الدور الإسنادي لفضاء الشاوية، والحي المحمدي.
– الدور الطلائعي لانتفاضة 23 مارس 1965 الجماهيرية في الدار البيضاء، ومشاركة العربي باطما فيها . فكاد الباحث الأكاديمي بدر المقري أن يذهب إلى أن اعتقال العربي باطما سنة 1965، هو الذي جعل جذوة (الغيوان) تتقد خمس سنوات بعد ذلك.
– المكانة المعتبرة التي حظيت بها الثقافة الشفوية عند العربي باطما.
– المساهمة الفاعلة للمناضل والفنان المسرحي الجزائري محمد بوديا (1932-1973)، في تشييد أركان الأبعاد الفلسطينية في كياني العربي باطما (1948-1997) و رفيقه الفنان بوجمعة أحكور (1944-1974) .
و حقيق بنا أن ننبه على أن محمد بوديا، كان من رموز حركة (أيلول الأسود) التي وطد قواعدها القائد الفلسطيني محمد داود عودة المعروف بأبي داود (1937-2010)، العقل المدبر لعملية (ميونيخ) في شتنبر 1972، التي كانت تستهدف في الأصل عملاء للموساد الإسرائيلي تحت غطاء رياضي.
ويكفي شاهدا على موقع محمد بوديا في مشهد دعم المقاومة الفلسطينية ضد العدو الإسرائيلي، حسب بدر المقري، المقالة التي نشرها (إيتان هابر)، مدير ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق (إسحاق رابين)، في جريدة (يديعوت أحرونوت) الإسرائيلية، يوم 3 أكتوبر 2005. ونشرتها مترجمة جريدة (القدس العربي) اللندنية، يوم 4 أكتوبر 2005 في صفحتها التاسعة.
فقد فصل فيها عملية اغتيال الموساد الإسرائيلي للمناضل محمد بوديا، في الدائرة الخامسة بباريس، زوال يوم الخميس 28 يونيو 1973 بواسطة سيارة مفخخة.

– محمد بوديا (أرشيف بدر المقري)

إن محمد بوديا هو المُضمَر في الحضور المميز لفلسطين في أزجال العربي باطما، بل إن وضع عنوان (فلسطينيات) سنة 1973 على أسطوانات مجموعة ناس الغيوان، كان إشارة وفاء فلسطينية للمناضل محمد بوديا رحمه الله.


– (أرشيف بدر المقري)

2- كناشة العربي باطما الزجلية (حوض النعناع) :
الأصل في (حوض النعناع) أنه دفتر قيد فيه العربي باطما فوائد وشوارد ذاتية وموضوعية. ولم يكن غريبا عليه، و هو العاشق المغربي لفلسطين، أن يكون شاهدا على الانتفاضة الفلسطينية المباركة الأولى (1987-1989). فقد أهدى قصيدته التاسعة عشرة إلى (ولاد لحجر):
كثر من النفس الأماره …
كثر من رصاص الغداره…
قدام المكحلة، تحت الطياره…
والمدفع، والرشاش، والعماره …
ضد الموت، وكل هي دماره…
في كل صوت، نادى ليغاره …
فوق كل زنادة وشراره …
تزادو أطفال الحجاره…
3- حاشية موضوعية على سيرة العربي باطما الذاتية (الرحيل) و (الألم):

– (أرشيف بدر المقري)

يصف الفنان العربي باطما كيف كان الفنان المسرحي الجزائري محمد بوديا قيمة مضافة إليه و إلى رفيقه بوجميع، فيقول: (… مدير مسرح بباريس، يدعى: محمد بوديا (ولد في الجزائر العاصمة يوم 24 فبراير 1932)، وقتله الموساد الإسرائيلي في (ساحة الأوبرا) بباريس … بقنبلة موقوتة وضعت في سيارته… (يوم 28 يونيو 1973).
لقد أحبنا محمد بوديا، أنا وبوجميع بشكل جنوني، وخصوصا عندما كنا نغني له أغانينا الثورية…
سألته يوما عندما زار المغرب، عن الوضع السياسي، فقال لي: المغرب بلد جميل، ولكنه يحتاج إلى الدم.
كان (محمد بوديا) يحب العروبة…
وفي طريق العودة إلى باريس، كنت أنا وبوجمعة… نركب مع (محمد بوديا) في سيارته وكنا نغني :
زدوا دودة … زدوا دودة … عايشة كالسلطاني..
لا خدمة، لا ردمة … عايشة كالسلطاني..
يا كعبة، يا بيت ربي محلاك..
يا قدس، يا بيت ربي محلاك..
في يد الصهيوني الإمبريالي..
رحم الله المرحومين محمد بوديا وبوجمعة…
وفي يوم، جاءنا محمد بوديا، وأمرنا بالدخول إلى المغرب، لأن الشرطة الفرنسية بدأت تشك في علاقتنا معه، معتقدة بأننا ننتمي إلى منظمة بوديا (أيلول الأسود) ، و التي كنا بالفعل على وشك الانضمام إليها…
وبعد رجوعنا إلى المغرب، أنا وبوجمعة، ألقي القبض على فتاتين من المغرب، غيثة برادلي وأختها نادية برادلي (1945-1995) ، إذ قامتا بعملية في إسرائيل، كنا نحن من سيقوم بها…
رجعنا إلى المغرب هاربين. لا مال لنا ولا أمتعة، اللهم بعض الفرنكات التي أعطاها إيانا المرحوم (محمد بوديا) الذي قال لنا وهو يعانقنا مودعا : ثورة حتى النصر… لا تنسوا فلسطين).

4- مسك الختام… فلسطين:
من آخر ما نظمه العربي باطما في عشق فلسطين، وهو يوشك على الرحيل:
– في فلسطين المحتلة راه تحل
صدرو وتشق كبدو وعقلو
شاف المنكر يحصد بالمنجل
شعب في أرضو قمعوه ودخلو
أرض بيضا صبغوها بلكحل
زيتون أخضر لزيتو خلو
الدري ومو وبوه تقتل
هدمو سنانو واللسان سلو
صهيون هجمو هجمة جمل
ليهم دول الغرب يدلو
حرقو جبح حرقوا نحل
وشعوب العرب عليهم يطلو

لوثو لمياه وسموا لعسل
ومن بعد التطبيع قالوا : عملوا
يا عجبا للزمان فين وصل
ولى مول الدار يقول : حلو
يا عجبا للوقت راه كمل
ولى الغياط ياكل في طبلو
– بإسرائيل الغرب علينا مفشر
دارها قفل في حوانيت التجار
ومن من العرب قال : لا يتحصر
في السما والأرض ويدان وبحار
ودارو أشياء لهاذ الأمر
الفيتو وزيد حوايج كثار
قالوا : فلسطين أرضنا وبالعسكر
نزلوا، قتلو كبار وصغار

قالو : أرضنا الموعودة تنتصر
قصدوها في كل فج واقطار
ومن قال : لا منكم ينتحر
بزز إسرائيل هي الافتخار
والغرب بكلمة الحق يقمر
يقولو للعرب : شا، ها لوعار
وفلسطين اللي كانت خدها حمر
بالدم بلغدر راه صفار

* باحث أكاديمي

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)