Site icon شمس بوست

قيامة جرادة

الأربعاء 14 مارس 2018 تاريخ ليس ما قبله كما بعده، نقطة فاصلة في تاريخ هذه الرقعة الجغرافية الصغيرة على حاشية الهامش. هذه البقعة السوداء سواد باطنها، الحزينة الوحيدة المتفردة في المعاناة والموغلة في الهشاشة التي يدعونها جرادة.
في ذلك اليوم العبوس الذي سيعرف لاحقا بالأربعاء الأسود ارتأى أهل القرار في أمر دبر بليل أن يجعلوه يوم النفخ في صور جرادة.. دَوَّى إسرافيلهم فقامت قيامة المدينة.. ما كان ليدرك المئات الذين تجمعوا صباح ذاك اليوم معتصمين في الغابة على أطراف المدينة بعد ليلة من صدور قرار يجرم الاعتصام بالشوارع والساحات بدعوى إرباك الحياة العادية، أنهم سيشهدون يوم حشر تبلغ فيه القلوب الحناجر ويتعطل خلاله الإحساس بالوقت ليمر بطيئا مؤلما تطال خسائره البشر والعمران.
كانوا يريدونها ضربة واحدة لا تقوم للناس بعدها قائمة. ترهب الغائبين بعقاب الحاضرين.. ضربة تنقذ هيبة الدولة التي انتقص منها العاطلون والفقراء إذ احترموا ضوابطها فلم يقترفوا ما يمكن أن يصبح مبررا للتدخل ضدهم وإنهاء احتجاجاتهم.
في ذلك اليوم لا حاجة لعرض الأعمال، فالكل شريك في جرم الاحتجاج على غياب الرغيف، الكل جاهر بمطالبته بغد أفضل، ليس بينهم بريء من هذه الخطيئة التي ظلت تمارس على مدار أربعة أشهر كاملة لم يهدأ خلالها هؤلاء ويتعظوا بمآل إخوة لهم، أو يكتفوا بما نالوه من تصريحات وزيارات، أو يسلموا للواقع ويركنوا لليأس. فكان لزاما أن يكون العقاب جماعيا.
أما شفعاء هذا الموقف فقد تغيبوا.. لا شفيع للقوم اليوم. لم تغن عنهم شيئا شعارات السلمية والوطنية.. الأعلام والصور.. لا ناصر لهم اليوم.. تقطعت بهم الأسباب ورأوا العذاب.
لم يكن يتخيل حتى أكثر المتشائمين أن شمس ذاك الصباح ستغرب على أمر جلل.. بضع ساعات من الفوضى وأدت الأمل وقلبت الأوراق، اختلط الحابل بالنابل فكأنما مرت على القوم صاعقة عاد وثمود.. صيحة السماء كانت حوامة تزأر بأزيز يحاصر الجو، وعلى الأرض كانت المركبات تطلق صافراتها وجنون سرعتها لتحاصر البر..
أسفر صبح الغد عن عشرات المعتقلين الذين ينتظرهم كابوس التحقيقات والمحاكمات، وعشرات المصابين الذين اكتفوا بما قد يتوفر من تطبيب منزلي لجروحهم النازفة خوفا من ولوج أي مرفق عمومي.. وعشرات الحيارى منفطرات القلوب بين ابن غائب أو زوج معتقل أو أخ مصاب.
يوم الحشر ذاك تلته على امتداد عام واقعة الحساب.. حساب يدفعه بالتقسيط أهل المدينة ويفضي نهاية للجحيم.. جحيم الانتظارات التي لا تقي قر البرد ولا قرقرة البطن.
واليوم بعد مضي عام كامل على هذا الكابوس لايزال الشباب يعدون أيامهم ولياليهم في غياهب السجون، ينتظرون رؤيا يوسفهم ومعها البشرى فلا تأتي.
بعد عام ما يزال ضحية أسوأ كابوس موثق في ذلك اليوم الطفل عبد المولى الذي تعرض للدهس المتعمد مستلقيا على سرير العجز في مصحة تأويه ولا تعالجه.. مجرد جثة تنتظر مسحة يد المسيح تعيد لها الحياة بمعجزة.
مر عام والكثير من شهادات وقصص ذلك اليوم المشؤوم مازالت تخنق أصحابها وترتد إلى حناجرهم إذ لا يجرؤون على سردها.
مر عام على يوم كان مقداره سنوات عجاف من انتظارات أثمرت ضريعا وزقوما في النهاية.. يوم أحال مستقبل تلك الرقعة المنسية لثكنة يطبعها الغموض.
أما في باقي المغرب.. فقد عاش الناس يوما آخر من أيامهم الرتيبة، حتى إذا ما صرخنا لنلفت انتباههم لما يقع على إخوة لهم انتفضوا في وجوهنا.. إنما أنتم دعاة فتنة.. وهم قوم أصحاب شمال.. وإنما موازين الدولة قسط!

Exit mobile version