قطاع التمريض.. الملائكة تحتج

احتفل العالم نهاية الأسبوع الماضي باليوم العالمي للممرض، في المغرب حل هذا اليوم وسط احتجاجات مستمرة يخوضها الجسم التمريضي بلغت خلالها أيام الاضراب حوالي 36 يوما، زيادة على مسيرة وطنية شهدتها الرباط أبريل المنصرم، والعديد من الاعتصامات والفعاليات التي ترمي للضغط بغية الاستجابة لمطالب الممرضين، كل هذا والوزير الوصي على القطاع أناس الدكالي يضع أذنا من طين وأخرى من عجين سيرا على نهجه زميله في التعليم، حيث ما يزال يرفض لقاء ممثلين عن حركة الممرضين وتقنيي الصحة بالمغرب التي تدعو وتؤطر الاحتجاجات. في نفس الوقت الذي لا يخجل فيه من إلقاء التصريحات حول أهمية ومحورية دور الممرضين في المخطط الصحي 2025 ضمن خرجاته الإعلامية.

إذا وفي ظل الإعراض الذي تمارسه الوزارة والغياب التام لشروط الممارسة خاصة في القطاع العام يصعب جدا تقييم أداء الجسم التمريضي، وسيكون من الحيف تحميله ذنب سقوط الصومعة، رغم أن القسم الأعظم من انتقادات المواطنين وسخطهم يتحملها الممرض في منظومة يصعب حتى حصر جميع المتدخلين فيها، أحيان كثيرة يتجاوز الأمر السخط والغضب ليتحول للضرب والاعتداءات. الممرضون والممرضات وبحكم أنهم الأوائل وأحيانا الوحيدون الذين يتعاملون مع المرضى داخل المرافق الصحية فإن من الأولى التعامل مع مطالبهم بما يكفي من الجدية والالتزام خاصة أن أغلبها يتعلق بالشق التنظيمي والقانوني للمهنة.

وتتحدد مطالب الممرضين أساسا في إخراج مصنف الكفاءات والمهن قصد وضع إطار مرجعي للمتابعات الإدارية والقضائية التي يمكن أن تطال هذه الفئة على خلفية أداء مهامها، وإحداث هيأة الممرضين وتقنيي الصحة لحماية المهنة بالقطاعين العام والخاص، ومراجعة شروط الترقي، والتعويض عن الأخطار المهنية بطريقة منصفة لا تفرق بين الطبيب والممرض، خاصة أن أرقام منظمة الصحة العالمية تقول أن أكثر من% 80 من المهام داخل المرفق الصحي يقوم بها الممرضون، ثم أخيرا إدماج الممرضين وتقنيي الصحة المعطلين والبالغ عدد 9000 ممرض وممرضة، وذلك عبر إحداث مناصب مالية لا عن طريق التعاقد على غرار ما يقع في قطاع التعليم، وسنتوقف قليلا عند هذه النقطة.

في المغرب تقدر المنظمة الديمقراطية للصحة بأن كل ممرض تقابله 1400 نسمة، وهو تقريبا الرقم الذي سبق وأعلنته منظمة الصحة العالمية فيما يخص معدل الموارد البشرية الخاصة بالتمريض) يتأرجح بين 0,89 و0,97 لكل ألف نسمة) والغريب حقا هو ما جاءت به الجمعية المغربية لعلوم التمريض والتقنيات الصحية في تقرير لها حيث رصدت تراجعا في عدد الممرضين المكونين من 26494 ممرضا وممرضة خلال سنة 2011 إلى 25036 ممرضا وممرضة خلال سنة 2014، أي بتراجع بلغ أكثر من 800 ممرض في ظرف ثلاث سنوات فقط، هذا رغم التزايد الديمغرافي وتطور الحاجة للرعاية الصحية وتقاعد الأطر الذي يستدعي التعويض.

يساعد على مضاعفة هذه الأرقام عدم وفاء الحكومات بالتزاماتها، فقد وضعت وزارة الصحة ضمن استراتيجياتها حوالي 5000 منصب مالي بحلول سنة 2016، إلا أنها لم تخصص إلا ما يقارب ألفي منصب مالي لهذا القطاع منذ سنة 2009. ما يجعل المغرب حسب منظمة الصحة العالمية في وضعية حرجة من حيث القدرة على توفير الخدمات والعلاجات الصحية الأساسية للمواطنين، وفي ارتباط مع الموضوع كشفت المنظمة الديمقراطية للصحة أن الميزانية المخصصة للقطاع الصحي لا تتجاوز %5.69 من ميزانية الدولة، أي أقل بالنصف من الموصى به (بين 10 إلى 12 في المائة).

لابد أن الاتفاق قائم حول أولوية العناية بالعنصر البشري في أفق إصلاح القطاع وتطويره، خاصة أن الاستثمار في التمريض يعود بالنفع على الجميع، فلا فائدة ترجى من الأغلفة المالية بالملايين التي ترصد لتشييد المرافق وتجديد الأجهزة في ظل سياسات فاشلة لا تفي بالتزاماتها اتجاه الموارد البشرية للقطاع ابتداء وتتجاهل المطالبات بالتدخل لإنقاذ الوضع انتهاء.

هذا فقط فيما يخص الدافع لإدراج مطلب تشغيل الممرضين العاطلين، والذي يمكننا أن نقيس عليه بقية المطالب التي ماتزال حركة الممرضين وتقنيي الصحة بالمغرب ترفعها من خلال برامج ضمت ثلاث أيام من الاضراب في الأسبوع الجاري فقط، على أن تليها خمسة أيام مطلع شهر يونيو المقبل، مرفوقة باعتصام وطني. لعلها تنجح في لفت انتباه الوصي على القطاع لجدية الأزمة، ليتسنى للملائكة العودة للتحليق حول أسرة المرضى في وضع يضمن على الأقل عتبة حقوقهم الأساسية.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 1 )
  1. Taha :

    ما شا الله تبارك الله وفقك الله مقال رصين مدعم بأرقام وحقائق ومطالبات وقوة
    وخاصة المطالبة بمنظمة تتبنى مصالح الممرضين والممرضات..
    وبصراحة تقدم ملحوظ وبقوة
    حفظك الله ورعاك والي الإمام

    0

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)